آن الأوان أن نبدأ خطوات جدية ملموسة على أرض الواقع لتعزيز الإنتاج المحلي وتوطين الصناعة باعتبارها قاطرة التنمية الاقتصادية المستدامة، وهو ما تحرص الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه، فالقيادة السياسية تولى أهمية كبيرة لملف دعم الصناعة الوطنية، وهناك مساعي لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتحفيز وتشجيع توطين الصناعة وإزالة المعوقات، والجهود المبذولة مقدرة إلا أن هناك مشكلات ومعوقات تواجه الصناعة ينبغي أن نضع أيدينا عليها ونعالجها حتى يتم تذليل كافة العقبات ونستطيع تحقيق خطة الوصول إلى 100مليار دولار صادرات، واستدامة معدلات النمو، لتعزيز القيمة المضافة للمنتجات المصرية وتحسين قوتها التنافسية في الأسواق العالمية.
لذا علينا أن نضع أيدينا على أبرز التحديات التي تواجهها الصناعة المصرية، ونحدد المعوقات لمعالجتها، وأرى أن على رأسها تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة التي أدت إلى مضاعفة أعباء الإنتاج على المصانع وزيادة عدد المصانع المتعثرة، وتسببت في غلق مصانع، فهناك معاناة لعدد كبير من المصانع من تراكم الديون بسبب الأزمات المالية والقروض وفوائدها الكبيرة، مما تسبب في تعثر بعضها وتوقف البعض الآخر.
أيضاً التمويل أحد أبرز المعوقات خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج، ونقص العملة الصعبة، حيث إن نحو 60% من الواردات في الصناعة مستلزمات إنتاج وخامات نستوردها من الخارج، وكذلك البيروقراطية والروتين والتعقيد الإداري في الإجراءات بشأن تراخيص المشروعات الصناعية وتخصيص الأراضي ومختلف الخدمات، مما يعرقل سرعة تشغيل المشروعات وينفر المستثمرين، بالإضافة إلى وجود خلل في البنود الجمركية عند استيراد الخامات ومكونات الإنتاج، وتأخر الإفراج عن الخامات بسبب الاعتمادات المستندية.
الوضع طارىء وليست هناك رفاهية كبيرة في الوقت لدينا جميعا، لذا أرى أنه يجب أن تكون هناك حلول أيضاً طارئة للتعامل مع الموقف الاقتصادي والأزمة، وحلول أخرى طويلة الأمد، وفي مقدمة الحلول العاجلة الطارئة هو ضرورة تأجيل وجدولة كافة الديون من مستحقات للدولة وضرائب وخلافه لكافة المصانع والوحدات الإنتاجية وخاصة الصغيرة منها، وتقديم حزمة إعفاءات ضريبية عاجلة لكافة المصانع الصغيرة ووحدات الإنتاج الصناعي، وربط الإعفاءات بعدد من المعايير أولها نقل التكنولوجيا وتوطينها لمصر وكثافة العمالة في الوحدة الإنتاجية، والحل الفوري لمشكلات تدبير موارد مستلزمات الإنتاج خاصة في ظل توقف الكثير من المصانع المتعثرة.
وعلى الدولة بكافة مؤسساتها المعنية تقديم الدعم الكامل لمشروعات ريادة الأعمال الصناعية وتقديم حزم إعفاءات وتشجيع مختلفة لها، ونركز على المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة والصناعات الواعدة والصغيرة، بدلا من المشاريع الاستهلاكية والخدمية والترفيهية، يجب دعم الشباب وصغار المصنعين وتشجيعهم على إقامة مشروعات ريادة الأعمال، وتطوير الفرص الاقتصادية للشباب من خلال الأنشطة مثل تعليم ريادة الأعمال والمشاركة في الاقتصاد الرسمي، ودعم رواد الأعمال لبدء أعمالهم أو زيادة حجم أنشطتهم من خلال حاضنات أعمال وبرامج تدريبية ممولة لتطوير الصناعة يتم فيها تقديم الدعم الفنى للعاملين بالمجال الصناعى، ونشر ثقافة ريادة الأعمال، وإيجاد آليات لإزالة المعوقات أمامها وخاصة فيما يتعلق بالتمويل.
الحلول تنفيذية وتشريعية، فهناك ضرورة لإعادة النظر فى التشريعات المتشابكة المتعلقة بالصناعة ودعم الصادرات، وإصدار قانون الصناعة الموحد، وأن تعمل الحكومة على توفير آليات تمويلية ميسرة بفائدة مخفضة لتمكين الشركات الصناعية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ وتطوير مشروعاتها، وتيسير إجراءات حصول المشروعات الصناعية على التمويل وعدم استغراق وقت طويل في الدراسات التي تطلبها جهات التمويل، وتوسيع مبادرات دعم القطاعات الإنتاجية الصناعية، وإقرار حوافز إضافية للقطاع الصناعي من إعفاءات ضريبية وجمركية والإعفاء من الضريبة العقارية، وتقديم حوافز غير تقليدية للمستثمرين، وتخفيض رسوم توصيل المرافق الصناعية، وإعفاء الصناعات الصغيرة منها، فضلاً عن تحديد سعر مناسب للأراضى الصناعية أقل من الدول المنافسة في المنطقة، وتقليل الدورة الزمنية لإصدار التراخيص وبدء تشغيل المشروعات.
الأمر الأكثر أهمية هو تعزيز وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الصناعية وسرعة تفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتشجيع الاستثمار في القطاع الصناعي، والمشاركة بين الدولة والقطاع الخاص في إنشاء مصانع لإنتاج المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وتوطين الصناعات التكاملية والمغذية، للحد من الاستيراد وتعظيم الصادرات، مما يوفر عملة صعبة ويخفف الضغط على المصنعين بسبب أعباء تكاليف الإنتاج واستيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج، والعمل على زيادة قدرات الصناعة الوطنية وتوفير احتياجاتها من خامات ومستلزمات الإنتاج لرفع القدرة التنافسية، وتوفير مُكون صناعي محلي كبديل للمُكون المستورد.
وضرورة تشجيع القطاع غير الرسمي لتوفيق أوضاعه والاندماج في الاقتصاد الرسمي، وحصر عدد المصانع المتعثرة والمتوقفة، وإيجاد آليات لدعمها ومنحها قروض ميسرة لإعادة تشغيلها، ودعم وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وإعادة هيكلة هيئة التنمية الصناعية والرقابة على عملها لوقف العراقيل التي تتسبب فيها للمستثمرين.
الحلول كثيرة ومصر دولة كبيرة ولديها إمكانيات ومقومات عديدة تؤهلها لأن تكون دولة صناعية وتجذب الاستثمارات، إلا أنها تحتاج لحسن الاستغلال والاستثمار وإزالة المعوقات، وأن تكون هناك استراتيجية وطنية واضحة الصناعة المصرية محددة بأهداف واضحة وبرامج زمنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة