منذ سنوات، كانت الدول الكبرى - ومن بينها أمريكا وروسيا، بجانب دول أوروبا الغربية، وغيرها من الدول - لا تمانع بنسب قليلة فى تجنيد المتجنسين فى صفوف جيوشها، لكن مؤخرا، وتحديدا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى بداية سنة 2022 قررت زيادة موجة تجنيد أجانب فى صفوف جيوشها بشكل لافت، وبأعداد كبيرة، مستغلة تواجد لاجئين فارين من نيران الفوضى فى بلادهم، تحت شعار «التجنيس مقابل التجنيد».
القضية تبنتها ألمانيا وطرحتها على طاولة اجتماعات الاتحاد الأوروبى، ورغم أنها لم تلقَ قبولًا واسعًا من دول أوروبا الشرقية، خوفا من أن اعتماد الاتحاد الأوربى للفكرة، وتقنينها فى صورة اتفاقيات رسمية، من شأنه فرار الكوادر والكفاءات فى جيوشها، إلى الانضمام لجيوش دول أوروبا الغربية، الأمر الذى دفع ألمانيا وغيرها من الدول الراغبة فى تجنيد أجانب بجيوشها، إلى الأسراع فى اتخاذ الخطوات بشكل فردى بعيدا عن الاتحاد الأوروبى!
المفوّض لشؤون الدفاع بالبرلمان الألمانى هانز بيتر بارتلز، كان له تصريح سابق، اعترف فيه بأنه أمر «طبيعى» تجنيد مواطنين ذوى أصول مهاجرة أو مزدوجى الجنسية، بالجيش الألمانى، وصاروا يشكّلون بالفعل نحو 13 بالمئة من المجندين فى الجيش الألمانى بالفعل.
أوعزت الحكومات الأوروبية، عموما، والحكومة الألمانية على وجه الخصوص فكرة تجنيد أجانب ومتجنسين لجيوش بلادهم، لسببين مهمين:
الأول، أن المجتمعات الغربية «شاخت» وكبار السن هم الغلبة، نظرا لتراجع نسبة المواليد بشكل لافت فى حصد ثمار الإفراط فى تدشين القوانين التى تحد من الإنجاب، بجانب تراجع معدلات الخصوبة.
الثانى، أن الشباب فى الدول المتقدمة، وهم أقلية، يعيشون برفاهية كبيرة، لذلك يرفضون الانضمام لجيوش بلادهم، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن هناك دولا، وفى مقدمتها ألمانيا، ألغت التجنيد الإلزامى، وهو ما تدفع ثمنه الآن، ويعتريها الندم الشديد لاتخاذ مثل هذه القرارات، فى ظل زيادة انتشار بقع الصراع فى العالم، وبشكل لم يكن متوقعا، وكان مستبعدا من الحسابات السياسية.
وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، والذى عَّول عليه المستشار الألمانى، أولاف شولتز، عند تعيينه فى يناير 2023، بناء جيش قوى لألمانيا، قادر عن حماية حدود ومقدرات البلاد، اعترف مع بداية توليه المسؤولية عن أسفه من تراجع عدد الطلبات الفعلية للانضمام إلى الجيش الألمانى.
لذلك، وفى محاولة حثيثة مشوبة باليأس والإحباط، أطلق الجيش الألمانى حملة إعلانية على الإنترنت وفى الصحف وشاشات القنوات الفضائية، تحث الشباب على الانضمام للجيش أملا فى ضخ دماء جديدة بالمؤسسة العسكرية.
الحرب الروسية الأوكرانية، كانت بمثابة جرس إنذار لإيقاظ أوروبا من نومها العميق، والتنبيه بأن طمأنتها بقدراتها وقوتها وأن النيران بعيدة عن حدودها، أمر مبالغ فيه، لذلك قررت تطوير جيوشها، لدرجة أن المستشار الألمانى، أولاف شولتس، على سبيل المثال، أعلن تدشين صندوق خاص بقيمة مائة مليار يورو، لإصلاح المسائل العالقة فى المؤسسة العسكرية، وزيادة عدد المجندين!
موجة التوسع فى تجنيد اللاجئين فى جيوش أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الكبرى، مقابل منح الجنسية أثار مخاوف الجنرالات والخبراء العسكريين، من نقص النوازع الوطنية وانخفاض منسوب الانتماء لدى المجندين المتجنسين، بجانب مخاوف من الصاق اتهام «جيش المرتزقة» بجيوشهم، وليس جيش مواطنين مخلصين لأوطانهم، وتأثيرات ذلك فى حال خوض غمار الحروب!
وفى المقابل العكسى، فإن من نعم الله على مصر أنها تمتلك جيشا قويا وعظيما، تاريخه منقوش على جبين الزمن، ومحفور على جدران المعابد تسرد بطولاته داخل البلاد وخارجها.
جيش مصر، رجاله من أبناء الوطن الذين تجرى فى شرايينهم وأوردتهم دماء مصرية، خالصة، ودستوره حماية الشعب والحفاظ على أمنه واستقراره، وصيانة الأمن القومى بمفهومه الشامل، وتاريخه واضح، ناصع، جبل فى رسوخه، وانتصاراته مسجلة بأحرف من نور، وتضحياته دفاعا عن ترابه، مدونة على صفحات كتب التاريخ.
لذلك، على كل مصرى أن يشكر الله على نعمة وجود جيش وطنى قوى تجرى فى «عروقه» دماء مصرية نقية.