ما لا شك أن التوترات في البحر الأحمر تداعياتها خطيرة وجسيمة ليس على الإقليم فحسب بل على العالم كله، لأن هذا الممر الملاحى شريان حيوى للتجارة العالمية، حيث يصل بين القارات الثلاث، "آسيا وأفريقيا وأوروبا"، ويربط المحيط الهندى وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، لذا فإن له أهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية.
لذلك، فإن ما يحدث الآن فى البحر الأحمر من توترات جراء استهداف الحوثيين للسفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية وربط ما يحدث بحرب غزة وعدوان الكيان الإسرائيلي الغاشم على فلسطين وممارسته أعمال إبادة جماعية لسكان غزة يُنذر – قطعا – باتساع دائرة الحرب في الشرق الأوسط، ويُنذر أيضا بجر القوى العظمى لحرب عالمية في ظل تفاقم الأوضاع وتعدد الأجندات للاستفادة من مما يحدث من توترات.
وأعتقد أن بحسابات الربح والخسارة فإن ما يحدث في البحر الأحمر له تداعيات خاصة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر، ونموذجا تضرر مصر لتراجع وارادات قناة السويس، وارتفاع كُلفة تصدير النفط المرتقب ما يُلحق ضررا بدول الخليح، ورغم هذا هناك من يعتقد أن يكون رابحا من هذه التوترات بل يسعى لتوظيفها لاستراتيجيته ومشروعه، فهناك قوى إقليمية تسعى للسيطرة والنفوذ وتقوية أذرعها لصالح خدمة أجندتها في التعامل مع واشنطن، وكسب نفوذ في المنطقة، وكذلك الحوثي الذين يسعى إلى توظيف ذلك بهدف فرض سياسة الأمر الواقع في اليمن والتخلص من العزلة وتوظيف ما يحدث لخدمة أزمتهم الداخلية في اليمن ومع جيرانهم.
أما الخاسر الأكبر من توترات البحر الأحمر – في اعتقادى - فهو الاتحاد الأوروبى، وذلك لأن معظم الدول الأوروبية مستوردة للطاقة إضافة إلى أزمة الطاقة لديها جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي ما يحدث في البحر الأحمر – قطعا - سيرفع من كُلفة الطاقة لديها وهى بالأساس تعاني من نسب تضخم مرتفعة قياسا الى الصين والولايات المتحدة.
لكن ما يجب أن يوضع عين الاعتبار هو موقف الولايات المتحدة، فهى رغم أنها تتحدث عن تخوفها من اتساع دائرة الصراع، وتحركاتها في تحالف الازدهار، وتعاونها مع بريطانيا لردع الحوثيين إلا أنها هي الأخرى تسثتمر فى أحداث البحر الأحمر، لأنها وفقا لأهدافها الاستراتيجية هي المستفيد الأكبر لأن ما يحدث يُزيد فرص وأرباح شركات الطاقة الأمريكية خلاف أن هذه التوترات فى هذا الشريان امهم يُساهم في عرقلة التجارة الصينية المنافس الأكبر للولايات المتحدة، إضافة إلى أن ما يحدث في البحر الأحمر وتهديد أمن الملاحة البحرية يدعم مشروع الولايات المتحدة "طريق الهند – السعودية" باعتباره أن إنشائه بمثابة ضربة لطريق الحزام والطريق الصينى.
لذا، يجب على الجميع أن لا يُغامر فى البحر الأحمر لأن التصعيد الكبير أو غلق باب المندب يُنذر بنشوب حرب عالمية مؤكدة، لذا يجب - وعلى وجه السرعة - إنهاء حرب غزة لغلق الباب أمام مستثمرى ما يحدث في البحر الأحمر، وعلى الخاسرين كالاتحاد الأوروبى والدول المشاطئة للبحر الأحمر تفويت الفرصة على مستثمرى الصراع في البحر الأحمر بالعمل على التهدئة وإنهاء هذه التوترات لأنهم هم من سيدفعون الثمن الأكبر، ولأن اتساع الحرب ليس في مصلحة أحد على الإطلاق.
نهاية .. على الجميع أن يعى أهمية تحذيرات الدولة المصرية بشأن ما يحدث فى البحر الأحمر خاصة أن الوضع الآن بات ملتهبا بعد أن أرسلت الصين أسطولا بحريا وتصاعد الهجمات الأمريكية البريطانية وامتلاك الحوثى أسلحة نوعية تمكنهم من التصعيد أكثر وأكثر.. فالحل فى - ظنى - يبدأ بإنهاء حرب غزة ثم البحث عن آليات جديدة لعودة الهدوء من جديد للشريان الملاحى الأهم فى العالم..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة