في مثل هذا اليوم لقيت أمى - رحمها الله - بارئها وهى صائمة مُحتسبة في شهر الصوم والقيام، وها هى تمر الأيام وتأتى ذكرى وفاتها الأولى كالشمس التي انطفأت لكن بقيت سيرتها الطيبة وعملها الصالح وجهودها في تربيتنا، فقد كانت - رحمها الله - شمسا ونورا في حياتنا وفى حياة كل من يحبها ويعرفها.
نعم نؤمن بأن الموت حقيقة، ونقف بكل إجلال وإكرام لقضاء الله وقدره، لكن فراق الأم – يا سادة - صعب مهما كانت الحياة ومشاغلها، فحقا مأ أصعب من فراق حبيب رحل جسده ولم تغب ذكراه!
سنة كاملة يا أمى وصوتك ودعواتك وابتسامتك لم تفارق حياتى لا يقظة ولا مناما، فلما لا وأنتِ الأم الحنونة والمعلمة الجادة والمربية المخلصة والمتحدثة الصادقة، وأنتِ من جعلتِ لحياتنا معنى، وأضأتٍ لنا الطريق، وأنحيت قامتِك لنعدل نحن قامتنا.
سنة كاملة يا أمى، ولم تغب عن خاطرى ولا وجدان قلبى لوحة وداعِك الأخير، وأنتِ تمدى يدكِ الطاهرة لتودعينى في مشهد كسر عودى وأوجع قلبى وزلزل كيانى، ثم تلتقى ربكِ بعدها بداقائق معدودات وأنتِ صائمة في شهره الفضيل مُحتسبة صابرة مؤمنة بقضائه وقدره.
وما يصبرنى على فقدكِ يا أمى سيرتك العطرة ومسيرتك الطاهرة ورحلة حياتك المليئة بالحب والعطاء، وشهادة القاصى لكِ والدانى بصلاح الحال وحُسن الخاتمة، لكن دعينى أحدثك يا أمى عن ما يدور فى خلجات قلبى، فوالله كل ما أشتهيه هو لقمة طعام طيبة من بين يديكِ، أو كسرة خبز من خبزك التي كنت تصنعيه ليلا، أو ضمّة حُضن لكِ، أو جلسة تجمعنا أحدثكِ وتحدثيني وأخبركِ وتخبرينى عن كل القصص والحكايات والمواقف كما كُنا نفعل وأنا أمتطى حجرِك الطاهر ويدك على رأسى نحكى ونسهر ونسعد، لكن هكذا تكون سُنة الله في خلقه، لا قدرة لنا ولا حيلة، إلا دعاءٍ أو ذكرٍ.
وداعاً يا من كنتِ لنا أما وأباً وعماً وخالاً.. وداعاً يا من وهبتنا حباً وعطاءً بلا حدود، ويا من صبرت على فراق الأب، وتحملًت وجع الفقد في وفاة ولديكٍ وحفيدك.
وهنيئًا لكِ يا من أخرج الله منك أرواحًا تذكره، وشكرًا على تعبك معنا وحُبك لنا، وسيرتك التي نتشرف بها أمام ووسط خلقه، وجزاكِ الله من فضله وكرمه، وأسكنك الفردوس الأعلى بإذنه جلً وعلا..