دوشة مستعرة لتقنين أوضاع خاطئة، والترويج للشائعات بشكل ممنهج على مواقع التواصل الاجتماعى طوال الأشهر الماضية، قادها أدعياء العلم والمعرفة «اليوتيوبرز» يتحدثون فى الاقتصاد، لإشاعة الخوف والرعب فى قلوب الناس، ويقعون فى شِراك منصوب لاستنزاف ما فى جيبوهم، يقدمون نصائح مسمومة لا تمت للواقع بصلة، يحثون فيها الناس للإسراع لشراء العقارات أو الذهب أو الدولار، فينساقون وراء هذه النصائح دون تحقق من شخص الناصح وهل نصيحته تأسيسا على علم، ومعلومات من مصادر موثوقة! وهل من المنطق أن يسلم الناس عقولهم لأشخاص يخاطبونهم فى عالم افتراضى ومن خلف الكيبورد؟
اليوتيوبرز مجهولو الهوية العلمية ومن غير المتخصصين، قدموا نصائح مسمومة للناس بالإسراع لشراء الذهب والدولار، للاستثمار وحفظ قيمة فلوسهم، وأنهم يتوقعون ارتفاعا كبيرا فى أسعارهما، وصدقهم عدد كبير من المواطنين وسارعوا باكتناز الذهب والدولار، تصاعد الطلب وتكالب هؤلاء على الشراء، وتحكم بعض التجار من فاقدى الضمير، بجانب حملة مفاتيح السوق السوداء فى الأسعار، يرفعونها كل ساعة، وبشكل جنونى.
وجاءت صفقة رأس الحكمة لتوجه صفعة قوية على وجه أدعياء المعرفة «اليوتيوبرز» وكشفت ضعف قدراتهم، وأنهم مجرد سماسرة لشركات عقارية ومحلات «الصاغة» ومندوبين لتجار العملة فى السوق السوداء، مهمتهم تصدير وعى زائف لخداع الناس والتشكيك فى اقتصاد وعملة بلدهم، لاستدراج الناس لشراء الذهب والدولار بأسعار خيالية، وخلال الأيام القليلة الماضية انهارت السوق السوداء وتراجع سعر الدولار والذهب بشكل دراماتيكى، فخسر المخدوعون فلوسهم.
كنت قد كتبت مقالا منشورا فى هذه المساحة منذ شهر، وتحديدا يوم 6 فبراير الماضى بعنوان «دجل وشعوذة «اليوتيوبرز» فى الاقتصاد وراء توحش أسعار الذهب واختفاء الدولار»، حذرت فيه من مغبة تصديق اليوتيوبرز وأنهم مجرد سماسرة.
قلت نصا: «السنوات القليلة الماضية ومع انتشار السوشيال ميديا، سقط علينا من سماء الفضاء الإلكترونى بالبراشوتات، بعض من أدعياء الفهم الاقتصادى، عبر فيديوهات على قنوات «اليوتيوب» وتطبيق «تيك توك» يدلون بدلوهم فى القضايا الاقتصادية، ويقدمون نصائح مختلفة فى كيفية الاستثمار وكيف تحقق أرباحا كبيرة، والقضية أن هؤلاء يتحدثون من خلف شاشة التليفونات المحمولة، لا يعرف الناس عنهم شيئا، دراستهم، تخصصاتهم، خبراتهم، والأهم ما هى أهدافهم ومخططاتهم».
وحذرت من أن هناك فئة من اليوتيوبرز من العاملين فى السوق العقارى، جميعهم يتحدثون عن عظمة الأصول، وعبقرية الاستثمار فى شراء العقارات، ولا يكلف كل من يشاهد فيديوهات هذه الفئة، أن يتساءل بينه وبين نفسه، هل هذا اليوتيوبر الناصح مستفيد بشكل شخصى من فكرة الدعاية للمشروعات التى يروج لها باعتباره موظفا فى المبيعات لهذه الشركة أو ذاك؟
وقلت الأمر نفسه ينسحب على اليوتيوبرز العاملين فى سوق الذهب، الذين يخرجون على الناس بنصائح ضرورة اقتناء الذهب، بعلة أنه يحقق مكاسب، تارة، وصيانة قيمة الفلوس، تارة أخرى، وهذه الفئة تتخذ من نهج التحذير الصارخ، ولغة الخطاب القلقة، ما دفع عددا كبيرا من المصريين إلى الهرولة لشراء الذهب وتخزينه، استجابة لهذه النصائح، فقط، ما ساهم فى تكالب الناس على محلات الصاغة لشراء الذهب، وصلت لأطنان، وما قيمته حسب التقديرات، تريليون جنيه، ما يعد تجميد هذه الأموال فى أصول تؤثر بالسلب على الاقتصاد الكلى وحركته، وإيقاف عملية الاستثمار الحقيقى بإقامة مشروعات تحقق مكاسب كبيرة ودائمة لأصحابها.
لكن للأسف الشديد ووسط الضجيج والتشويش جعل الناس أذنا من طين وأخرى من عجين.
المؤكد أنه ومن خلال المتابعة الدقيقة، يمكن استخلاص نتيجة مؤلمة، أن فيديوهات اليوتيوبرز ونصائحهم فى الاقتصاد، رافد مهم وجوهرى من روافد أزمة الذهب والدولار وارتفاع أسعار السلع، من خلال تقديم نصائح مسممة، مغلفة بأهداف شخصية لتحقيق مكاسب مالية بالاتفاق مع تجار الذهب ودعم السوق السوداء فى الدولار، وأهداف سياسية خبيثة، إذا علمنا أيضا أن هناك عددا كبيرا من هؤلاء اليوتيوبرز ينتمون لجماعات وتنظيمات هدفها إثارة البلبلة، وضرب الاقتصاد المصرى فى مقتل.
النتيجة المؤلمة لنصائح اليوتيوبرز المسممة، أن الناس الذين ابتلعوا طعم النصائح المسممة، خسروا فلوسهم، فى مقابل شراء الوهم، وهو أمر مؤسف.
يا سادة، نصائح اليوتيوبرز فى الاقتصاد، والسياسة والتنمية البشرية، خطر داهم، وتساهم فى صناعة الأزمات، بنظريات الدجل والشعوذة البعيدة عن العلم والعقل والمنطق، وهناك فارق شاسع بين من قرأ بوست أو كتابا، فيتحدث بسطحية مفرطة، وبين المتخصص الدارس الذى يتحدث بعمق.