رغم إعلان إيران انتهاء هجماتها على إسرائيل ردا على هجوم الأخيرة على قنصلية إيران فى سوريا، فلا شك أن هناك الكثير من التقارير ومراكز ومحطات الرصد والتحليل تبحث وتقيم نتائج ما جرى، وترسم سيناريوهات لما يمكن أن يجرى خلال المرحلة القادمة، فهل ترد إسرائيل كما أعلن نتنياهو أم تكتفى بما تم وكون الرد الإيرانى هو رد فعل، وهل تواصل الولايات المتحدة لعب دور الوسيط لحل التوتر وتطوير العلاقات بين طهران وتل أبيب، أم تتعامل مع الهجمات مثلما تم التعامل مع هجمات وصواريخ العراق على الأراضى المحتلة فى حرب تحرير الكويت، عندما تقرر إسقاط العراق، رغم أن الصواريخ التى تم إطلاقها لم تكن مؤثرة، لكن يومها كان القرار هو إنهاء قوة العراق قبل أن تتطور صناعة الصواريخ لتشكل تهديدا أكبر لإسرائيل.
إيران ترى أن الوضع الإقليمى والدولى مختلف، وتواصل تهديداتها بالردع فى حال تعرضت لهجمات أخرى أو عمليات من إسرائيل، وهنا يتوقع بعض المحللين أن تستمر المواجهات فى الجبهات التقليدية الاغتيالات أو العمليات النوعية، لكن ليس فى الوقت الحالى، حيث طالب الرئيس الأمريكى بايدن، نتنياهو، بعدم تنفيذ أى هجمات على إيران.. فى حين يرى محللون أن التهديدات الإسرائيلية هى دعاية لكون إسرائيل حصدت نتائج أقوى وقتلت قيادات وكوادر الحرس الثورى، بينما تساقطت المسيرات والصواريخ الإيرانية فى الطريق، ولم تحقق أى خسائر فى الجانب الإسرائيلى، وإن كانت الأجهزة الإسرائيلية والدولية تدرس مدى ما تمتلكه إيران من قدرات يمكنها تحقيق التهديدات أو الصمود فى مواجهة واسعة، أو حرب طويلة، وهو أمر يخضع لتحليلات متنوعة تبحث مدى امتلاك طهران للقدرات وما قطعته فى برامج الصواريخ وصناعة المسيرات، وبناء عليه يمكن تحديد كيفية التعامل مع هذا كله.
ومن ناحية إيران فهى أيضا تدرس مدى ما تحقق خلال رد الفعل وحجم ما أوقعته من خسائر فى الجانب الإسرائيلى، بجانب قدرة المجتمع على تحمل حرب طويلة ومواجهة مباشرة، بجانب مدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف داخل إيران عن طريق عملاء أو وكلاء، وهو ما تجيده إيران خلال العقود الماضية.
دوليا تنوعت ردود الفعل تجاه ما جرى، وبدا الرد الأوروبى ضمن ازدواجية الطرح، حيث أعلن رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشال أن قادة مجموعة السبع «أدانوا بالإجماع الهجوم غير المسبوق لإيران على إسرائيل»، فى حين أعلن مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل على منصة إكس «يدين الاتحاد الأوروبى بأشد العبارات الهجوم الإيرانى بمسيّرات وصواريخ على إسرائيل، هذا تصعيد غير مسبوق وتهديد للأمن الإقليمى»، وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبى يجدد التزامه بأمن إسرائيل، وبدا الأمر ضمن ازدواجية ظاهرة، حيث سبق وتجاهل الاتحاد الأوروبى هجمات إسرائيل على قنصلية إيران.
الازدواجية انعكست فى مجلس الأمن الدولى الذى عقد جلسة طارئة لمناقشة تطورات الرد الإيرانى، ففى حين قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، فى كلمته، إن الشرق الأوسط على حافة الهاوية والناس فى المنطقة يواجهون خطرا حقيقيا لصراع شامل مدمر، وأضاف أن القانون الدولى يحظر الأعمال الانتقامية التى تشمل استخدام القوة، مشيرا إلى أنه لا قدرة للمنطقة ولا للعالم على تحمل مزيد من الحروب، ولدينا مسؤولية مشتركة للتوصل لوقف دائم لإطلاق النار فى غزة.
وقال نائب المندوب الجزائرى بالأمم المتحدة: لا يمكن تحقيق السلم من دون خضوع الجميع للقانون الدولى، بينما قال نائب المندوبة الأمريكية إن أفعال إيران لا تهدد فقط أمن إسرائيل بل أمن كل دول المنطقة، وأضاف: سنتخذ تدابير إضافية لمحاسبة إيران.. ورد مندوب روسيا فى مجلس الأمن: حذرنا حين تم قصف القنصلية الإيرانية فى دمشق من عدم إدانة الأمر بمجلس الأمن، ولو كانت بعثة غربية هى التى هوجمت فى دمشق لكان الموقف مختلفا، وأكد أن الهجوم الإيرانى لم يأت من فراغ وجاء نتيجة لعدم تحرك المجلس ردا على هجوم إسرائيل، مؤكدا أن عددا من أعضاء مجلس الأمن يعتمدون ازدواجية مزعجة فى المعايير.
وقال مندوب الصين فى مجلس الأمن، إن طول أمد النزاع فى قطاع غزة سيزيد التوتر فى المنطقة، وأن الهجوم على القنصلية الإيرانية فى دمشق كان خطيرا وانتهاكا للقانون الدولى.
كل هذه المؤشرات تعنى استمرار حرب باردة وإعادة تشكيل لنظام إقليمى ودولى ما زال يعانى من خلل بسبب غياب توازنات القوة، أو تنفيذ قانون دولى حاسم، وبالتالى يتوقع استمرار هذا التوتر طالما بقيت القضية الفلسطينية من دون حل، بجانب أن ما يجرى الآن يفتح الباب بمزيد من الوساطة والتفاوض خلف الجدران وصولا إلى توازن أو مزيد من الصدام المدمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة