كلُّ انتقالات العالم الكبرى صنعتها المعرفة. عاش البشرُ قرونًا على التقاط الثمار، وعندما اكتشفوا الزراعة كانت العمليةُ التى تبدو سهلةً، حصيلةَ اشتغالٍ مُركَّبٍ وتراكُمىّ على جَمع البيانات ومعالجتها، بالحَدس والتجربة والخطأ. أنْ تضع البذرةَ ثمّ تنتظر المطر، وتُلاقيها فى ميقات اليناع بالطريقة المُثلَى، وأخذ الأمرُ يتطوَّر وغلّة الحصاد تتضاعف. وفيما بعد؛ سمح تراكُم المعارف باستكشاف مساراتٍ جديدة لتنظيم الجهد وتعزيز القيمة، فكان الانتقالُ من الإقطاع إلى البرجوازية المُنتجِة تحوُّلاً فى الأفكار، قبل أن يكون فى وسائل العمل ومُعادلات الإنتاج والإشباع. واليوم صارت البياناتُ أغزرَ ما يُنتجه الإنسان وأعلاه قيمةً؛ ولعلَّها نَفط الزمن الحديث ومصانعه الهادرة. وإن كان المزارعون الأوائل تغلَّبوا على الجوارح والغربان بالصوامع الحصينة والحظائر المُؤمَّنة؛ والصُنَّاع استثمروا فى تنشيط السباق بين العرض والطلب؛ فإنَّ البيئةَ الرقمية الآخذةَ فى الاتّساع تُؤسِّس لمنطقها الاقتصادى على إدارة الوَفرة، وتوازُن الانفتاح والحماية، وأن تكون قادرًا على استخلاص الوقود المُتدفّق من حركة الناس وتعامُلاتهم الاعتيادية، وإعادة توجيهه فى المسار الصحيح؛ ما يسمحُ بأن تكون لكلِّ معلومةٍ قيمتها وأثرها، وأن تتضامَّ مع غيرها لتُصوِّب وَعينَا بأنفسنا وتدفعه قُدمًا.. باختصار؛ ما كان مُهدَرًا من يوميَّات العاديِّين صار كنزًا ينتظرُ الاكتشاف، وما تُضيِّعه الأوراقُ وأضابير الدفاتر قد يصير لُقْيَةً ثمينةً لو أُحسِن رَصفُه فى مُتواليةٍ لها منطق ودلالة، وربما أضافُ العاملُ أو الفلاح لسلسلةِ القيمة فى وقت راحته، أضعافَ ما يُضيفه فى عَرقِه على رأس الحقل أو أمام المداخن والأفران.
ما فات لا يعنى ابتذالَ الكَدِّ فى الأنشطة الثقيلة والخفيفة، ولا أنَّ العالم بصدد التضحية بالأيدى العاملة تحت قَدم المعلوماتيّة وطفراتها المُدهشة؛ إنما يُعبِّر عن حِقبةٍ جديدة تنشأُ من فوائض البيانات البشرية؛ لتخلقَ احتياجاتٍ مُبتكَرةً تتطلَّب الإشباع، وتُولِّد مزيدًا من الداتا، هكذا فى دائرةٍ لا نهائيّةٍ تتضخَّم فيها العقولُ والأرواح، بينما الأبدانُ على حالها.. ستظلُّ الثمرة كما هى من التراب إلى فَم الجائع؛ إنما ستُرافقها كميّةٌ ضخمة من المعلومات فى رحلتها الخاطفة، وهذا السيلُ العارم سيجعلُ البشرَ أنفسَهم موضوعًا للتلقِّى/ الاستهلاك، ومُفرداتٍ معرفيّةً مفتوحةً على التأويل، لا سيّما بعدما تنوب عنهم الآلاتُ فى كلِّ شىءٍ تقريبًا، وستتحدَّد قيمةُ الشخص وقتَها ببصمته المعرفية، أى بما يخلقه أو يستهلكه من معلومات، وتُقاس كفاءةُ أنظمة الاجتماع والإدارة بمقدار سِعة التخزين وقُدرات الحوسبة.. وبعيدًا من التفاصيل الفنيّة، ومخيال المستقبل الذى تُبرِّره مُقدّمات الحاضر؛ فإنَّ سباق الدنيا فى قرونها المُقبلة سيكون من وراء الشاشات، وبين المُبرمجين ومُبتكرى أنظمة التعلُّم الذاتى، وستتجدَّد النزعات الامبرياليّةُ القديمة؛ إنما على الجغرافيا الافتراضية لا الحقيقية، على البيانات لا الخرائط، لأنَّ مَن يملكها سيملك الأرضَ بما عليها، ويُسيِّر البشرَ فى أىِّ مكانٍ كيفما أراد.. هكذا لا يبدو أنَّ شيئًا أهمُّ على الإطلاق من التحضُّر لحربٍ عالميّةٍ على الداتا.
تأخّرنا طويلاً، وربما نكون بعيدين جدًّا من المُنافسة عند رأس المشهد الرقمى. يتطلَّب الأمرُ قاعدةً لوجستيّة ضخمة، وتراكُمًا معرفيًّا لم نكتُب سطرَه الأوَّل بعد.
وليس فى الإمكان أن نقتحمَ عالمَ الحوسبة من بابه الصُّلب، ومسألةُ العتاد تحتاجُ خبراتٍ مُتمرِّسةً واستثمارًا مُكلِّفًا. وما يتيسَّر لنا أن نبدأ من حيِّز الأفكار، وأن نُراهن على الحلول المُبتكَرة، وننتخبَ شريحةً من النابغين؛ لتأهيلهم فى البرمجيات والتطبيقات وتصميم أشباه المُوصِّلات ووحدات المُعالجة، بعد أن تتوافر البرامج الدراسية والتدريبية اللازمة. وقد قطعت وزارةُ الاتصالات شوطًا فى بعضها، ويتبقَّى الكثير ممَّا يستوجبُ الأخذَ بزمام المُبادرة، والعملَ على رَدم الفجوة المُتّسعة مع العالم الأوَّل. أمَّا الأولويّةُ التى تسبقُ كلَّ ما عداها؛ فإنها تخصُّ الخروجَ من ربقة الأُمّية الرقمية، على معنى إهدار الموارد الكثيفة المُتاحة، والمدخلُ لتلك الغاية يبدأ من تعلُّم أبجديّات جَمع البيانات وقراءتها، وسدِّ الثغرات التى تفيد الآخرين بمحصولنا المعرفى وتسلُبنا إيّاه. ولعلَّ المسارَ الذى انتهجته الدولةُ فى الفترة الأخيرة، وكُلِّلَ قبل يومين بافتتاح الرئيس السيسى لمركز الحوسبة السحابيّة؛ يكون فاتحةَ القول فيما يتّصل بوقف نزيف المعلومات المُتدفِّقة فى الفراغ، أو إلى جيوبٍ بعيدة، والتأسيس لمرحلةٍ تنطلقُ من حُسْنِ استغلال الداتا؛ لتنتقلَ بالتدرُّج الصاعد إلى توظيفِ كامل الإمكانات، وإعادة استكشاف القُدرات البشرية وتفعيلها على نحوٍ مُثمرٍ، بما يُدخلُنا فى فضاء المعلوماتيّة ابتكارًا وإنتاجًا؛ لا على سبيل الاستلاب والاستهلاك فحسب.
فلسفةُ المشروع أن يكون عقلاً عميقًا للدولة، وتفاصيلُه فيها كثيرٌ من الإشارات الإيجابية. وقد سبقه تدشينُ مركزٍ مُوحّدٍ للبيانات فى العاصمة الإدارية، بقُدرة 1327 خادمًا وسعة تخزين 120 بيتا بايت. والمرحلةُ الأحدث تشملُ وحدةً تبادُليّة مُوازيةً فى مبنى حصينٍ على مساحة 45 فدانًا، عبارة عن 4 مراكز بإجمالى 1240 خادمًا وسعة 73 بيتا بايت، ترتبطُ بالمقرِّ الرئيسى عبر مسارى اتِّصال، وقادرة على استيعاب مهامّه بالكامل فى حالات الضرورة. بجانب مُنشأةِ الحوسبة السحابية على مساحة 130 ألف مترٍ مُربّع، ومركز البيانات المُتطوِّرة بسعة 40 بيتا بايت، و200 ألف وحدة مُعالجة فائقة السرعة، مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى التحليل واستخلاص النتائج، فضلاً على إمكانية استضافة تطبيقات القطاع الخاص، وإتاحة خدماتها للشركات وروّاد الأعمال. والسحابةُ بحجمها البالغ مليون جيجا بايت تقريبًا، تسمحُ باستيعاب التدفُّق المعلوماتىّ من أجهزة الدولة فى المديين القريب والمُتوسِّط، فتُحقِّق الكفاية المطلوبة محليًّا، وتفتحُ البابَ لاختبار التجربة وتوسعتها، دون اللجوء إلى شركاتٍ وسيطة لاستئجار خدمات التخزين والحوسبة حسب الطلب، وفى ذلك مكاسبُ اقتصاديّةُ واستراتيجيّة مهمّة؛ لعلَّ أثمنَها أنَّ القلبَ الصُّلب لدولاب الإدارة لن يعود مكشوفًا على الخارج، كما يتقلَّص الضغط على المدفوعات الدولارية لقاءَ تلك الخدمات، بجانب إتاحتها للراغبين فى الداخل بتسعيرٍ تنافُسىٍّ، يُحقِّق إيرادًا مُباشرًا كانت تنتفعُ به جهاتٌ أُخرى، ولا يترك الداتا عُرضةً للتلاعب والاستغلال غير الأمين.
الفائدةُ المُباشرة يُفترَض أن تظهرَ على أداء الحكومة فى كلِّ مرافقها؛ لناحية كفاءة جمع البيانات وتصنيفها، وتدقيق الأرقام والمُؤشِّرات، وتسريع المُعاملات اليومية بين الوزارات ومع المواطنين. وسيكون بالإمكان تنظيم أنشطة الرقمنة، وميكنة الخدمات وأنظمة المدفوعات والشمول المالى، وحوكمة الإجراءات التنفيذية وما يخصُّ التراخيص والضرائب واستيداء الحقوق، وغيرها من المجالات المُتقاطعة بين عدَّة جهات. ومثالاً؛ سيكون بمقدور وزارة الصحة تحسين إدارة المستشفيات والإسعاف، وضبط الموارد وقدرات الاستيعاب، وتفعيل التأمين الشامل وتكوين ملفّات صحيّة مُوحَّدة للمواطنين، والداخلية ستتمكَّن من مَيكنة العمل اليومى فى الأقسام، وتنشيط تراخيص السيارات ونقل ملكيّاتها، وتنفيذ الأحكام وتتبُّع منظومة كاميرات المُراقبة بسرعة وكفاءة، مع تعزيز صيغة المحاكم الذكية وتسهيل إجراءات التقاضى وتنظيم قاعدة بيانات وزارة العدل، وفى مسائل الأحوال الشخصية وقضايا الأُسرة وتطبيقات التعليم والإدارة المحلية والمرافق أيضًا، فضلاً على الانضباط والتنسيق بين جهات الدولة. لن تتطلَّب المسألةُ التى تتداخل فيها عدَّةُ وزاراتٍ شهورًا من المُكاتبات والردود؛ إذ سيكون بمقدورها جميعًا الاتصال والمتابعة وتسريع الوتيرة عبر السحابة، وستتجمَّع لدى صانع السياسة حصيلةٌ مُعتبرة ومُدقَّقة، وبطبيعة الحال فإنَّ المعرفةَ السليمة الكاملة، أساسُ كلِّ قرارٍ صائب وتطبيقٍ دقيق.
يُتيح المركزُ سِعات تخزينٍ مرنة، ويسمح بمشاركة الموارد افتراضيًّا، كما يُقدِّم بيانات دقيقة وموقوتة، ويُحلِّلها لحظيًّا، مُستندًا لتقنياتٍ ذكيّة فى الإدارة والتشغيل الذاتيين؛ ما يُقلِّل من النفقات اليومية على الأوراق والمستلزمات المكتبية، ناهيك عن الهدر فى الطاقة وساعات العمل. وفى بِنيته، يتدرَّج على ثلاث طبقات: منطقة للبيانات الخاصة وعالية الحساسية، ثمّ البيانات الحكومية، وأخيرًا النطاق العام للمواطنين فى تعاملهم مع الدولة. كما يُقدِّم نحو 40 خدمة سحابيّة، وقناة للتبادُل الحكومى، ومنصّةً للتعاون مع الشركاء فى التدريب والابتكار، عبر 30 مسارًا بأكثر من 15 تقنية و1300 ساعة، وتطبيقات نوعيّة منها نموذج ASR المصرى لتحويل الأصوات إلى نصوصٍ مكتوبة بأربعين لهجةً محليّة، و4 خوارزميات لتحليل المواد المرئية. وبفضل الاعتماد على الذكاء الاصطناعى؛ ستنمو قُدرات المنصّة فى المعرفة كلَّما ازداد حجمُها، فيكون التراكُم قيمةً مُضافةً تُعزِّز قُدرتها على المعالجة واستخلاص النتائج وكسب المهارات، وبناء قاعدةٍ ديناميكية تقومُ مقامَ الذاكرة طويلة المدى، وتستندُ عليها فى تحسين المُؤشِّرات الكَمِّية والنوعيّة للأداء يومًا بعد آخر.
الأسابيعُ الأخيرة شهدت جدلاً قديمًا ومُتجدِّدًا فى الولايات المُتّحدة. محورُه القلقُ المُفرط من تطبيق «تيك توك» بقاعدة مستخدمين أمريكيين تتجاوز 170 مليونًا؛ مع افتراض أنه ينكشف على الحكومة الصينية وأجهزتها الأمنية، ما يسمح لها بقراءة الداخل بعُمقٍ وإحاطة مُزعجتين، فضلاً على إمكانية استغلاله فى التأثير السياسى وتوجيه الرأى العام. وأقربُ السوابق ما أُثير بعد انتخاباتها الرئاسية فى 2016 عن تدخُّلٍ روسىٍّ لصالح ترامب ضد مُنافسته هيلارى كلينتون، وتكشَّف لاحقًا أنَّ شركة «فيس بوك» باعت بيانات نحو 80 مليونًا لشركة كامبريدج أنالتيكا، وجرى توظيفها فى الدعاية واستمالة الناخبين. وقد انتهى الاشتباكُ الأخير بإقرار الكونجرس تشريعًا يُجبر شركة «بايت دانس» الصينية على بَيع تطبيقها للفيديوهات القصيرة؛ لكنها اعترضت ولوّحت بالتصعيد القانونىّ، ووضعت الإغلاق خيارًا مقبولاً بدل الإجبار على البيع. والفكرةُ، أنّ حروب الداتا صارت مصدرَ إزعاجٍ عظيم؛ حتى لدى الدول الكُبرى بكلِّ ما لديها من معارف وقُدراتٍ تقنيّة.
فى حالتنا؛ فإنَّ ملايين المُستخدمين مَعروضون على منصَّات التواصل بكلِّ تفاصيلهم. تُباع بياناتُ المصريين كغيرهم من شعوب الأرض؛ لكنها تظلُّ يوميّاتٍ عابرةً يتصرّف فيها مالكوها كما يُريدون. أمَّا ما يقعُ فى عُهدة الدولة وعليها حمايته؛ فالبيانات الثقيلة التى تخصُّ المصالح الحيوية، وشؤون المواطنين فى تشابكها مع الجهات الرسمية، وكلها كانت مشاعًا منذ داهمتنا الحضارة الرقمية بتقنياتها قبل عقدين أو أكثر؛ وغايةُ المركز الجديد أن يسدَّ باب التسريب المُحتمَل للداتا، وأن يُحسِن استغلالَها، وفوق ذلك يُمكن أن يكون مدخلاً لتصدير خدمات التخزين والحوسبة السحابية، وأن تضع مصر قدمًا فى مضمار السوق الرقمية؛ بأن تصير نُقطةَ تجميعٍ أو مَعبرًا للبيانات، لا سيِّما أن نحو تسعة أعشار الكابلات البحرية تمرُّ من مياهها أو على مقربةٍ منها، ولديها مساحاتٌ مُوهَّلة لاستضافة الخوادم ومراكز البيانات العملاقة، مع قدراتٍ إنتاجية كافية من الطاقة والموارد المائية؛ لتلبية احتياجات القطاع شديد الاتِّساع والتنامى. ويصحُّ النظرُ للمسألة باعتبارها خطوةً أُولى تُمهِّد لخُطىً تالية؛ إذ بتوافر تلك القاعدة الرقمية، ولو على صورة المنتج النهائىِّ فى بادئ الأمر؛ ستتدفَّقُ شركاتُ الحوسبة للاستفادة من المزايا المتاحة، وسيتبعُها المُصنِّعون ومُطوِّرو البرمجيّات، وكلُّ مجالٍ سيستدعى ما بعدَه حتى تكتملَ المنظومة. ومثلما الخمول مُعْدٍ؛ فالنشاط والتقدُّم يقعان بالعدوى أيضًا، والاستثمار سيخلقُ طَلبًا على العمالة، وسيدفع التعليمَ والتأهيلَ للأمام، ويُراكِمُ المعارفَ والخبرات؛ حتى تصير لدينا بيئةٌ معرفيّة تحتضنُ المعلوماتيّة وتزدهرُ فى كَنَفها.
يحقُّ التفاؤل؛ وكلُّ الإشارات تُشجِّع عليه، وتُوسِّع الآفاق لمطامحَ تتجاوز التمنِّيات. إنّما يظلُّ الأمرُ مرهونًا باختمار الفكرة فى وعى الحكومة، وجاهزيّتها للعمل الدؤوب عليها دون كللٍ أو انقطاع. والرئيس خلال فعاليّات الافتتاح، وفى مُناسباتٍ عديدة سابقة، أبدى اهتمامًا ملحوظًا بالاستثمار فى مسار الرقمنة، وتعزيز القُدرات الوطنية فيه كَمًّا ونوعًا، بغرض الانطلاق بلوجستيّاته وموارده البشرية، وأن يكون واحدًا من مُرتكزات برنامج التحديث والتنمية، وقد كان بشخصه وراء إطلاقِ برنامج وزارة الاتصالات لتدريب الشباب على البرمجة وتكنولوجيا المعلومات، كما لا يتوقَّف عن تحفيز الأجيال الجديدة على اقتحام المجال، وآخرها حديثه عن الفُرص المتاحة، وصولاً لتصدير الفرد مُنتجاتٍ أو خدمات تصل لمائة ألف دولار سنويا، من منزله وعبر العمل عن بُعد. وإزاء تلك المُبادرة الرئاسية؛ فإنَّ جهةَ التنفيذ مُطالَبةٌ بمُواكبة تلك الرُّؤى بخططٍ عمليّةٍ مُتدرِّجة وفعّالة، يشتبكُ فيها قطاع الاتصالات مع وزارات التعليم والتعليم العالى والشباب والثقافة وغيرها؛ لتكون مقرّاتُها ومواردُها عَونًا فى تعميم ثقافة الرقمنة، ورَفد معارف النشء بمُقدِّماتها، ثمّ اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، وإتاحة تيسيرات لهم فى الشُّغل والتحويلات المالية وإعفاءات ضريبة الدخل، وفى تدبير اللوجستيات والبرمجيّات المطلوبة، وتمويل أفكارهم الخلَّاقة ومشروعاتهم لريادة الأعمال فى التقنية وتطبيقاتها.
سيكفى المركزُ أجنحةَ الحكومة عناءَ بناء مراكزها الخاصة وتوسعتها، أو الانغلاق على نفسها بعيدًا من الاستفادة بثروات الداتا الدوّارة فى أروقة الدولة؛ والأهمّ أنه يحفظُ نُسخًا احتياطيّة، ويُسهِّل التعافى من الكوارث، ويُتيح بيئةً افتراضيّة لإنجاز المهام وتحليل البيانات الضخمة «بيج داتا» واكتشاف عمليات الاحتيال ومَنعها فى الزمن الحقيقى. كما يُعزِّز إمكانات المُتابعة والتقويم لدى رأس السلطة، ويُعمّق قُدرات الرقابة على الجهات التنفيذية ومُساءلتها. وإلى ذلك؛ يُمكن أن تُبنَى على السحابة شبكةٌ محلّية تربطُ المواطنين بمنظومةٍ للرصد والإحصاء، تسمحُ بتحديث الخرائط وتتبُّع أنماط الانتقال والمعيشة وحركة المرور وتدفُّقات السلع والخدمات، ومُؤشّرات العرض والطلب واحتياجات الاستثمار والتنمية، وكثيرًا من التفاصيل التى تُدار عبر أُطرٍ بيروقراطيّة بشرية؛ فتستغرق وقتًا وجهدًا ولا تخرج بصورةٍ مثاليّة.. إنها خطوة مهمّة لناحية أمنية قومية، ولنواحٍ اقتصادية وتنموية لا تقل أهمية، وما سيتلوها من أفكارٍ وبرامج ومشروعات رديفة؛ قد يُحدِّد موقعنَا على خريطة العالم فى العقود الطويلة المُقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة