رغم أن الحج فريضة على المسلمين لمن استطاع إليه سبيلا، فهو شعيرة عالمية تحمل الكثير من الرسائل فى التسامح والوحدة والتنوع، وحتى هؤلاء الذين يتوقون للحج ولا يستطيعون إليه سبيلا، يحجون بصلواتهم عندما يتجهون للكعبة، ثم إن الحاج والمعتمر يوجّهون الدعاء على يقين بالاستجابة.
ومن التأمل العميق وراء الحج بتفاصيله، أعتقد أنه مع كونه فريضة إسلامية، فقد فرض قبل ذلك، وكان الحج نفسه استجابة لدعوة إبراهيم بأن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات، والحج ظل متواصلا فيما قبل الرسالة، وإن كان اتخذ شعائره الحالية بعد تنقيته من تراكمات عصور ما قبل محمد عليه الصلاة والسلام، ثم إن الصلاة نفسها تحمل اسم إبراهيم وأهله ومحمد وأهله والصلاة عليهم، وهو دعاء متواصل يجعل من الدعاء وسيلة لمطالب البشر من الله.
الله يستجيب دعاء الداعين من أى مكان وفى كل زمان، ومع هذا يحمل المعتمر والحاج الثقة فى الاستجابة للدعاء من أمام الكعبة، وأثناء الطواف أو السعى بين الصفا والمروة، أو على جبل عرفات ومنى والمزدلفة، ومع هذا فإن الحج مناسبة للغفران والدعاء، ولهذا فإن الناس من غير الحجاج يحمّلون المعتمر والحاج دعوات بعضها عام والبعض محدد بطلب أو رغبة يظن الطالب أنها أقرب للاستجابة من معتمر أو حاج، بينما الله يستجيب دعوات الأمهات والمظلومين والتائهين وكل من يثق فى الإجابة وفى الله.
اعتقدت دائما أن الحج فريضة على المسلمين، لكنها من أجل الجميع، فالذين يقفون أمام الكعبة أو يسعون بين الصفا والمروة، أو يقفون على جبل عرفات، يشاركون الجميع فى دعائهم، والله هو رب الجميع، حتى هؤلاء الذين لا يؤمنون به، يرزقهم ويغفر لمن يستغفر بقدرته وليس بإرادة البشر، لذلك كثيرا ما كان زملاء وأصدقاء من المسيحيين يطلبون دعاء الحاج والمعتمر، بل إننى أمام الكعبة أو على المسعى وأنا أستعيد طلبات الدعاء، يرد على ذهنى أسماء لزملاء وأصدقاء ربما لم أكن أفكر فيهم، بل إننى أدعو لكل من يرد إلى عقلى فيما يبدو أنه حالة خاصة تفرض نفسها ودروسها علينا، لتؤكد أن الحج رسالة عالمية فى التنوع والاستجابة، ليس من باب توحيد الأديان، لكن للقول إن الإيمان والدعاء متاح لكل البشر، ولهذا أدعو لأصدقاء وكل من يطلب، ومنهم من يختلف فى المذهب أو حتى الدين، ليقين بأن الله هو رب الإيمان، مهما تنوعت الأديان، ومن يعتقد فى تحقيق دعائه بشفاء أو توفيق، يثق فى رحمة الله التى وسعت كل شىء.
وهذه بالنسبة لى أهم الدروس التى تعلمتها والرسائل التى تصلنى فى كل مرة أقف فيها أمام الكعبة أو فى المسعى أو حتى فى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام بالمدينة المنورة التى تحمل هى الأخرى الكثير من الرسائل للبشر.
لقد آمنت دائما أن الحج رسالة للبشر جميعا، باعتبار رسائل إبراهيم أبو الأنبياء، والذى تزدحم رحلته بالكثير من الحكم والعظات والآيات، فى الشك واليقين، فهو الذى اعتقد الكوكب والقمر والشمس أربابا، قبل أن يصل إلى يقين بأنه لا يحب «الآفلين»، وأن الله رب العالم، إلا إبراهيم صاحب مسألة «رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى»، وهو أول دروس الشك والرغبة فى الوصول إلى اطمئنان اليقين.
فى الحج تتوحد قلوب الحجاج على شىء واحد ونداء واحد وصلوات واحدة رغم اختلاف التصورات والآراء والمذاهب من دون استبعاد، والدرس أن الناس متساوون كأسنان المشط، وأنهم جميعا يلجأون إلى الله بلا وسيط، لا فضل لواحد على آخر، وأن التنوع لا ينفع الوحدة والتسامح باعتبار كل مؤمن حقيقى هو مسؤول عن أعماله ولا يحق له أن يحاسب الآخرين أو يستبعدهم، فالبشر جميعا متساوون، لا فضل لأى منهم على آخر.
الحج رسالة للمسلمين وللعالم فى التسامح والسلام، ضد الظلم والعدوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة