فى مقال قديم لى كان عنوانه "السرقات لا تنفيها جودة العروض" قلت إن فى مصر وحدها يمكنك أن تقرأ على أفيش عرض ما أو فى برنامجه المطبوع عبارة "تأليف" لعرض مأخوذ عن نص عالمى، وقد تتساءل أليس تلك العناوين هى أعمال معروفة ومشهورة وخالدة؟ إذن ما الجديد الذى أعطى الحق لصاحب العرض أن يكتب بضمير مستريح وصف (تأليف)؟ وربما ستدفعك الدهشة إلى العودة للسؤال البديهى ما (التأليف)؟ ومن أين ومتى جاء هذا الخلط الذى تواطأ على تمريره الجميع وكأنه أمر عادى وبديهى؟
هذا الخطأ الذى يقترب من الخطيئة، لا يقف فقط عند مجرد وضع كلمة تأليف بديلا لكلمة إعداد أو لحرف (عن) الذى يحفظ لصاحب العمل الأصلى حقه ولا يقلل من شأن ذلك الذى أعجبه ووجد أنه يمكن أن يقدم من خلاله رؤية جديدة قد تحتاج إلى إعادة ترتيب بعض مشاهده أو حذف بعضها أو دمج شخصيتين فى شخصية واحدة أو غيرها من الألاعيب التى مهما كثرت لا تعطى صاحبها الحق فى انتحال صفة (المؤلف)، لكنه إلى جانب ذلك يمتد ليصل إلى جريمة سطو مكتملة الأركان، فذلك الذى أباح لنفسه خط وصف تأليف على عمل ما، هو يستبيح من ناحية أخرى صرف أموال ليست من حقه باعتباره مؤلفا، وتساءلنا فى حينها ما الذى كان سيضير صاحب العرض لو أضاف فقط حرف (عن)؟! وحذرنا حينها من أن هذا الأمر لو مر مرورا عابرا، سيصبح قاعدة، وقلنا ما معناه أنه ستظهر علينا سرقات أخرى سيقول أصحابها بكل تحدٍ وتبجح (لست وحدي، فقد فعلها قبلى فلان وفلان) وكأن تكرار الأخطاء والجرائم يحولها إلى مسلمات!
ها هو ما قد حذرنا منه يظهر ويستشري. بل إن الأمر وصل ذروته حين يأتيك عرض وصفه أصحابه بـ ( أوبرا شعبية ) فى عنوان مضاف لعنوانه الأصلى ( السيرة سيرتنا ) قدم لأيام طويلة بقاعة صلاح جاهين الملحقة بمسرح البالون التابع إدارته لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية.
لانشغالاتى الخاصة لم أشاهد العرض، ولو كنت شاهدته فى حينه لما تورعت عن الوقوف وسط الصالة صارخا ( أوقفوا هذا العرض ، فهو مسروق بالكامل من نص قرأته منذ سنوات عنوانه " الزناتى " للكاتب والباحث القدير الدكتور محمد أمين عبد الصمد ).
لكن ولأن ( الكدب مالوش رجلين ) كما يقول مثلنا الشعبى . ولأن جرائم سرقة الإبداع لا تسقط بالتقادم . فوجئت بالصديق العزيز د. محمد أمين عبد الصمد يتصل بى يستأذننى فى أن يرسل لى نصين : الأول هو نصه ( الزناتى ) والثانى هو ( السيرة سيرتنا ) لكاتب آخر هو (محمد الشاعر) ملحقا الرجاء بطلب أن أقرأ النصين وبعدها أقرر إن كان نصه - الزناتى - قد سرق حقا فى عنوان جديد هو ( سيرتنا ) كما يعتقد أم لا ؟
على الفور قرأت النصين ، ومنذ السطور الأولى بت أصرخ ( ما هذه الفجاجة ). فنص (سيرتنا) ليس فقط منقولة فكرته وشخصياته وترتيب أحداثه عن ( الزناتى ) الذى سبق وأن أهدانى إياه كاتبه محمد أمين عبد الصمد منذ سنوات فور خروجه من الهيئة العامة لقصور الثقافة، بل هو تقريبا النص نفسه. وحين أقول النص نفسه ( باستثناء النهاية المفبركة المتناقضة مع تسلسل الأحداث ) لا أبالغ ولا أتجنى. فالأمر لم يقف فقط عند تراتب الأحداث ، ولا عند نقل مشاهد كاملة ( مع تغيير هزيل لم ينجح فى ستر الجريمة ) ، ولا حتى فى الرؤية ، بل وصل الحد إلى النقل الحرفى لجمل الحوار التى تنطق بها الشخصيات، ولمن يريد التحقق فليتصل بى لأرسل إليه النصين ليشاركنى دهشتى وغضبى واستيائى.
بعد ما قرأت النصين وأصابنى ما أصابني، اتصلت بالصديق العزيز د. محمد أمين عبد الصمد لأخبره : ( نعم يا صديقى للأسف ، ولك أن تتخذ كل الإجراءات القضائية لتحفظ لك حقك بل وحقنا فى أن نزيح عن مسرحنا هذا الهالوك الذى بات ينتشر فيه).
والآن. أثق كل الثقة فى أن حق محمد أمين عبد الصمد سيعود إليه خاصة إن كان على رأس القطاع التابع له مسرح الجريمة هو الفنان أحمد الشافعى المشهود له بالنزاهة وابن رائد المسرح الشعبى الفنان عبد الرحمن الشافعي، لكن ليست تلك هى المشكلة ، فالمشكلة أكبر بل وأخطر. وكنا قد سبق أن حذرنا منها فى أكثر من مقال سابق، ألا وهى أن الآفة انتشرت انتشاراً سرطانياً مخيفاً بعد أن تلبست ثياب الفجور، ففى الماضى كان (السارق) يبرر ويفتعل إثباتات وبراهين على أن عمله (المسروق) هو من بنات أفكاره، وأن ما ضبطه البعض من ملامح تتشابه مع أعمال آخرين ما هى إلا مجرد (توارد خواطر)، وأنه اجتهد كما سبق وإن اجتهد سلفه، فاشتركوا دون أن يقصد فى الفرضية والسبب والنتيجة.. وأن الأمر لا يعدو إلا مجرد مصادفة يتيحها (العلم)!
هكذا كان يحاول أن يقنعنا السارق القديم، أما الآن فقد صارت السرقة مشروعة بحكم تكرار اقترافها من شخوص عدة.
وفى محاولة إخراسك، سيتدرج السارق إلى أن يثبت لك بالوثائق أن فلانا وفلانا وفلانا سبق وأن فعلوا فعلته فى النص الفلانى والعرض الفلانى والمقال الفلانى.. وهكذا سيسعى هذا (اللص) لجرك إلى قضية أخرى يبعدك بها عن اتهامك له بالسرقة.
وربما ينجح فى أن يحيل الأمر إلى قضية عامة يخرج منها بنتيجة تقول: "سرقة الإبداع والأبحاث والمقالات حلال حلال حلال، كما سرقة الكتب فى معرض الكتاب!".
ولهؤلاء السارقين نقول: ربما تكونوا (مبدعين) فى إخفاء معالم جرائمكم، وربما ستفرحون بتصفيق جمهور أعجبته ألاعيبكم التقنية، لكنكم أبدا لن يبقى منكم إلا ( سيرة نتنة ) سيشتمها الدارسون من الأجيال المقبلة.
ومن جانبنا نعدكم، أننا لن نكف عن فضح كل محاولة للسرقة، وإن تخفت فى ألوان زاهية وحركات بهلوانية.. نعدكم بأن نلاحقكم ما استطعنا لهذا سبيلا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة