جودة بركات

حملة أخلاقنا الجميلة

الأربعاء، 05 يونيو 2024 10:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما أطلق الزملاء الأعزاء بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في سبتمبر 2022م حملة قومية بعنوان: (أخلاقنا الجميلة) تحت شعار (تجمَّلْ بالأخلاق) كنت من السعداء المتفائلين بفكرة هذا المشروع، وظننته كمشروعات الشركة العملاقة الأخرى، وأنه سيحظى باهتمام دائم وخطة توليدية مستدامة، وذلك لما للشركة المتحدة من إمكانات هائلة وثقة كبيرة لدى كافة الدوائر الأهلية والرسمية للدولة المصرية، شجعني على هذا التفاؤل ما قد حققته الشركة بالفعل من نجاحاتٍ غير مسبوقةٍ في مجالاتٍ عديدةٍ، أفرد لها الأستاذ/ شريف سعيد مقالًا رائعًا بعنوان (المتحدة.. قتالٌ ناعمٌ في معركةٍ خشنةٍ)، والذي يصلح أن يكون لبنةً للتأريخ لهذه المرحلة الإعلامية في الأوساط العلمية والأكاديمية لاحقًا بإذن الله.

لعلَّ سرَّ هذا التفاؤل والتشجيع لحملةٍ متخصصةٍ من هذا النوع هو رغبتي الدفينة في أن نضع الجمهور المستهدف أمام رؤيةٍ شاملةٍ لبناء نمطٍ أخلاقيٍّ واضح المعالم، يتم طرحه أمام كل فئات المجتمع (الصغار والشباب – الأبناء والآباء – الطلاب والمدرسون – الموظفون والمسؤولون – الأزواج والزوجات – المواطنون والوافدون – التكنوقراطيون والارستقراطيون – السياسيون والاجتماعيون.. إلخ)، وذلك لأن الجميع يعلم أننا أمام حزمة من الأزمات الاجتماعية التي باتت تتشكل حاليًا بامتيازٍ تحت الرماد بدافعٍ من تشوه المنظومة التعليمية والتربوية في بعض الأحيان، وفي أحايينَ أخرى تتشكل تحت وطأة منظومات التقنية الحديثة التخريبية في أشكالها المألوفة (فيسبوك وتويتر وسناب شات .. إلخ) أو أشكالها غير المألوفة (شات جي بي تي وتطبيقات المحاكاة والإنترنت المظلم... إلخ).


وكي تتضح الصورة بشكلٍ عمليٍّ من سياق التجربة الميدانية أسوق همستي للزملاء الأعزاء بالشركة المتحدة في نقاط:


الهمسة الأولى:
هل يمكن أن تساعد المتحدة للخدمات الإعلامية بشكلٍ فعال في هذا الملف، كي نتمكن – ولو مرة – من اختيار الملعب الذي نلعب عليه، ونضع شروط اللعب التي تناسبنا وتناسب أولادنا قيميًّا ودينيًّا وإنسانيًّا؟


نعلم جميعًا أنه لا يمكننا حتى هذه اللحظة – شأننا في ذلك شأن كل دول العالم – أن نخالف تعليمات الفيفا في مبارةٍ محليةٍ لكرة القدم، أو أن نضيف لاعبًا في نادي الفيتو الدولي أو أن نجزم بأن الجنس البشري اثنين لا ثلاثة،.... ، والقائمة تطول، أتدري لماذا؟ لأن العالم كله كان قد انخرط في أربعينيات القرن الماضي - بدافع الحرب الكونية الدائرة آنذاك - في التوقيع على عدد هائلٍ من البروتوكولات والاتفاقيات صنعها بضعة أفراد على مقاسهم وبأسلوبهم، ولم تكتشف معظم دول العالم أنها وقعت في فخٍّ لا يمكن الخروج منها بسهولة إلا بعد 50 عامًا أو أكثر.
وها نحن مرة أخرى، بصدد التمهيد بقوة في الآونة الأخيرة عبر الحديث عن مخاطر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستحالة قولبة نموذج منه بــ (مقاس واحد يناسب الجميع)، وبأن دول العالم باتت مجبرةً على فعل الشيء الفلاني أو الانضمام للنادي العلاني، وانطلقت تصريحات على ألسنة كبار المسؤولين الدوليين بأنه لن يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات النووية، ويُدفع العوام دفعًا إلى استخدام هذه التقنية أو تلك، علمًا بأن هذه التقنية أو تلك ليست مجرد تكنولوجيا جديدة لرفاهية البشرية فحسب، وإنما هي سلاح سياسي واقتصادي واجتماعي بامتياز، وقد جربت دول كثيرة في منطقتنا العربية ذلك عندما سقطت بفعل وسائط تكنولوجية مغلفةً في قالب إعلامي قبل أن تسقط بفعل الأسلحة والقنابل، وليس أدلَّ على ذلك من قراءةٍ حذرةٍ لقرار مجلس النواب الأمريكي الشهر الماضي عندما صوَّتَ بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون يحظر تطبيق (تيك توك) بعد تعثر عملية الاستحواذ عليه قهرًا من الشركة الصينية المالكة له، وفي حال تصاعدت الأمور فإن التطبيق سيواجه مشكلة الحظر من الوجود على متاجر التطبيقات ومنصات الإنترنت ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وإنما على مستوى العالم كله.

فهل يكون ذلك سببًا يدفعنا للبدء مبكرًا في صياغة وتأطير نظامنا الأخلاقي، ومن ثم نستحدث له ما يلزم من وسائل ووسائط عصرية إعلامية وتقنية نصنعها بأيدينا وعلى مقاسنا؟ علمًا بأن هذا ليس دعوةً للعزلة أو عدم الاشتباك مع العالم بتكتلاته وتحالفاته، وإنما هو نداءٌ مبكرٌ للحذر من رأسٍ طلعها كأنه رؤوس الشياطين، إن أراد المرء قطع إحداها نبتت مكانها اثنتين، ولن يضيرنا عند التعامل مع الغربي الغريب عندما يتعلق الأمر بأخلاق أبنائنا وقيمنا ومثُلنا أن نضع نصب أعيننا قول القائل:
قد تَجرتْ في سوقنا عقربٌ ... لا مرحبًا بالعقرب التاجرة.


كلُّ عدوٍّ يُتقى مقبِلًا... وعقربُ يُخشى من الدابرة.


الهمسة الثانية:
هل يكفي إنتاج عدة فواصل تلفزيونية قصيرة؟ وهل تم الإعلان عن إطار الحملة الدائم والجهات المشاركة فيه وأدوارها مسبقًا؟ وهل كان الجمهور المستهدف شريكًا في هذه الحملة للقيام بدوره؟ وهل أجريت قياسات الرأي العام على نتائجها كما هو متبعٌ في حملات قومية أخرى مشابهة كالحملة القومية لمكافحة فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي C وغيرها؟

 

الهمسة الثالثة:
هل وُضع في الحسبان آلية استدامة الحملة وبقاؤها أمام أعين المستهدفين طوال الوقت من خلال كافة الوسائط والأساليب المتاحة، لتزاحِمَ – ولو جزئيًّا - سيلًا عارمًا من الأنماط الأخلاقية الشاذة والمرفوضة الوافدة من خلفيات ثقافية مؤدلجة بشكلٍ ممنهج وطويل الأمد.

الهمسة الرابعة:
هل من الممكن أن يتحد تحت لواء الشركة المتحدة خبراء علوم اللغة والإعلام والاجتماع والتعليم والصحة النفسية داخل إطارٍ واحدٍ من مؤسساتٍ متعددةٍ كالتربية والتعليم والثقافة والاتصالات والأزهر والأوقاف والتعليم العالي، عبر توحيد نفس الميزانية التي تخصصها إداراتها الإعلامية المعنية، فيتشكل منهم صندوقٌ ضخمٌ بإمكانات هائلة لفريقٍ يعمل 5 سنوات لهذا الهدف كي نجني أثرًا، أو على الأقل نوقف نزيفًا قد ينفجر في أي لحظة فيحطمَ كلَّ إنجاز؟


الهمسة الخامسة:
هل من الممكن أن نرى ورشةً تضم أديب المسرح الطُّلابي محمود حمزة، والكاتب المحلق عبد الرحيم كمال، بصحبة نهلة الصعيدي وريهام عبد الله بخلفيتهم التربوية والتعليمية، مع كوادر عملية وعلمية ذوي مشاريع رائدة فكريًّا مثل: مصطفى خطاب ومحمود جمعة وأسامة كمال وبيومي عوض ومصطفى الجزار، وغيرهم من المصريين النبلاء. وليكن شعار الجميع نصيحة مصطفى صادق الرافعي التي يدرسها أبناؤنا بالمدارس الإعدادية:

 

إنَّ المعارف للمعـــالي سُــلَّـــمٌ *** وأولـو المعارف يجهدون لينعمــُوا.
والعــــلم زينة أهله بين الـوري *** سِيَّانِ فيه أخو الغِنى والـمُعْــدَم.
وأخو العُلا يسعى فيُدركُ ما ابتغى *** وسواهُ من أيامه يتظلَّمُ.
فاصدم جهالتهم بعلمك إنما ** صَـدْم الجهالــة بالمــعـارف أحــزمُ.
واخــدِم بلادًا أنت مِــن أبنائـهـا *** إنَّ البــــلادَ بأهلــهــا تتقـدمُ.


والخلاصة:

حملة (أخلاقنا الجميلة) بشعارها (تجمَّل بالأخلاق) يمكن أن تكون مشروعًا قوميًّا كبيرًا لتأطير القيم الأخلاقية التي تحتاجها مصر في الجمهورية الجديدة لتشكيل وجدانٍ فكريٍّ صحِّي لأبنائها، ولن أقول بأنه نواةٌ لمشروعٍ عربيٍّ عملاق كأحد أذرع القوة المصرية الناعمة وترسيخها مصريتها في الوجدان العربي، والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية جديرة بحمل هذا المشعل لكون صناع القرار فيها يدركون بأن تنميط القيم والأفكار صناعة ثقيلة، تزيد في صعوبتها عن صعوبة بناء السفن النووية الغواصة أو مدن الفضاء العملاقة.. وللحديث بقية بإذن الله.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة