لقد شغل البحث عن قبر الإسكندر الأكبر الباحثين لقرون من الزمان، ولكن هناك قضية أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بمكان دفن هذا الفاتح الشهير، إلا وهي شكل قبر الإسكندر الأكبر، ولحسن الحظ، لدينا مجموعة متنوعة من النصوص القديمة التي تصفه.
في عام 323 قبل الميلاد، توفي الإسكندر الأكبر، وبعد ذلك، بدأ رجاله على الفور في العمل على بناء نعش له، وباعتباره فاتحًا وإمبراطورًا عظيمًا، فقد شعروا بوضوح أنه يستحق نعشًا رائعًا، وفقا لما ذكره جريك ريبوت.
كانت التقاليد القديمة تقضي بأن تخطيط وبناء عربة الدفن، التي كانت أكثر من مجرد التابوت نفسه، استغرق عامين، وقد بنى رجال الإسكندر التابوت من الذهب المطروق، وذكر ديودورس الصقلي، وهو مؤرخ يوناني من القرن الأول قبل الميلاد، أن التابوت كان "ملائمًا للجسم"، وهذا يشير إلى أنه لم يكن مجرد صندوق كبير يوضع فيه الجسم.
كان هناك ثوب أرجواني مطرز بالذهب يغطي جسد الإسكندر وربما ساقيه مع وضع ذراعيه على جانبيه، ويقال أيضًا إن العربة الجنائزية نفسها كانت مغطاة بالذهب بالكامل، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبوتس.
ومع ذلك، لم يظل قبر الإسكندر الأكبر على هذا النحو إلى الأبد، في البداية أمر بطليموس الأول سوتر بدفنه في ممفيس بمصر، وبعد بضعة عقود، نقل شخص ما قبره إلى الإسكندرية، وفقًا لما ذكره المؤرخين.
كما سبق وزعمت مؤرخة بجامعة السوربون تدعى هيلين جليكاتزي أرفايلر، في مقابلة أجريت معها ، بأن قبر الإسكندر الأكبر الأكثر أهمية من المحتمل أن يكون في مدينة فيرجينا باليونان، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبورت.
وزعمت "أهرفايلر"، بأن القبر الذي اكتشفه مانوليس أندرونيكوس وتم تحديده بأنه لـ فيليب الثاني المقدوني هو في الواقع قبر الإسكندر وهذا يصرف النظر عن الرأي السائد بأن المقبرة موجودة في مدينة الإسكندرية، على حد زعمها.
وفى ضوء ذلك يؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية وجود قبر الإسكندر الأكبر بمصر طبقًا لكل الروايات التاريخية، ولم يرد ذكر لوجوده باليونان أو وصول الجثمان إلى اليونان بأى شكل من الأشكال.
ويستند الدكتور ريحان على دراسة هامة للباحثة مى الرمسيسى عن قضية البحث عن قبر الإسكندر الأكبر استمدتها من كتاب الدكتور عزت قادوس "آثار الإسكندرية القديمة" تؤكد وجود قبر الإسكندر بمصر.
ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان أن الإسكندر الأكبر توفى عن عمر يناهز 33 عامًا وفي اليوم التالى اجتمع قادته واقترح القائد برديكاس أحد قواد الإسكندر الأكبر وقد كان أقوى رجل في بابليون وله كلمة مسموعة وتزوج فيما بعد من كليوباترا المقدونية اخت الإسكندر على أن يتم تنصيب على العرش كلًا من أخيه فيليب اريدايوس الثالث وكان مختل عقليًا وابنه الإسكندر الرابع وكان مازال جنينًا عند وفاة والده، وقد أقر القادة هذا الاقتراح وتم تعيين برديكاس وصيًا على العرش وعهد لأرهيدايوس أن يتولى تنظيم جنازة الإسكندر الأكبر، وبالفعل بعد أيام قلائل تم تحنيط جثمان الإسكندر ولكن تم تأخير الجنازة وقتًا طويلًا بعض الشيء فقد استغرق الأمر حوالى عامين حاولوا فيهما أن يستقروا على مكان الدفن فى مكان يليق بملك عظيم كالإسكندر وليست أى جنازة ينالها، وقد اختلفت الآراء بين أن يدفن في "بدنا بايجاى" عاصمة مقدونيا السابقة مع العائلة المالكة، أو أن يدفن فى معبد أبيه آمون بسيوه وقد كان واضحًا حب واحترام الإسكندر لآمون وحدث جدال فى ذلك واسع وخاصة بعد أن ترددت أقوال أن البلد التى يدفن بها الإسكندر سيحل عليها الرخاء.
ويضيف الدكتور ريحان بأن الكثير من الأقاويل ترددت وأغلبية الظن أن الإسكندر نفسه هو من طلب أن يتم دفنه فى معبد أبيه زيوس آمون في سيوه، ولكن كان كل حاكم من قواده يريد أن يدفن الإسكندر في البلد التى أخذها فهذا يضيف لحكمه شرعية.
أخذت جنازة الإسكندر بموكبها الفريد في عام 321 قبل الميلاد طريقها من بابل إلى مقدونيا إلا أن قابلها بطلميوس فى سوريا وكان قد تولى حكم مصر مبررًا ذلك برغبته أن يضيف على الموكب الجنائزى عظمة إلا أنه بعد ذلك حصل على الجثمان وتوجه به إلى مصر وهذا ما أثار غضب برديكاس بشده، وفى حين لم يكن قد تم الانتهاء من بناء مدينة الإسكندرية أمر بطلميوس بدفن الإسكندر في ممفيس العاصمة حين ذاك فهى أفضل مكان لدفن الإسكندر لتكون مقبرته تحت رعاية ومعية بطلميوس عكس ما ستكون في سيوه نظرًا لبعدها في الصحراء ولكن لم يستمر الأمر هكذا طويلًا.
ويتابع الدكتور ريحان بأنه بعد بناء الإسكندرية أُمر باستخراج جثمان الإسكندر ونقله ليدفن بمدينته التى وضع ركيزتها وتم بناء قبرًا جديد له في وسط الإسكندرية القديمة ولفت موقع مقبرته أنظار العالم أجمع فى ذلك الوقت وكان يزورها أدباء وعلماء ومفكرين وقادة حتى أباطرة الروم كانوا يزورون القبر تقديسًا للإسكندر الذى اعتبر إله، ومن الذين زاروا المقبرة كان يوليوس قيصر وأوغسطس وكاليوجولا وسبتميوس سفيروس وابنه كاراكالا، وذلك يؤكد وجود قبر الإسكندر الأكبر فى الإسكندرية المصرية وهذا ما أكده علماء تلك الفترة مثل استرابو والذى أشار إلى أن الإسكندر الأكبر قد دفن فى الحى الملكى.
ومن جانبه قال عالم الآثار الدكتور زاهى حواس، إن مقبرة الإسكندر الأكبر سيتم العثور عليها فى يوم من الأيام تحت المنازل القديمة فى مدينة الإسكندرية، والأدلة كلها تؤكد أن الإسكندر دفن هناك، وليس فى أى مكان آخر، وسيتم العثور عليها خلال أعمال الحفائر، أو عن طريق الصدفة.
كما أن هناك أقاويل تفيد، بأن قبر الاسكندر بين واحة سيوة والإسكندرية لم يعد هناك من شك في أن حلم العثور على مقبرة الإسكندر يداعب عقول العالم، لا سيما وأن هناك من يجزم بأن القبر في مصر لا محالة، وليس في أي موقع أو موضع آخر خارجها.
ووفقًا لكتاب "قبر الإسكندر الأكبر" لعالم الآثار والأنثروبولجيا البريطانى نيكولاس ساندرز كانت إيجة واحدة من موقعين مرشّحين لدفن الإسكندر، أما الموقع الآخر فكان واحة سيوة، إلا أن بيرديكاس اختار إيجة سنة 321 ق.م.
أسئلة كثيرة تدور حول شخصية الإسكندر الأكبر وحياته، وأسئلة أكثر تبقى معلقة حول مقبرته وأين تم دفنه؟
في كل الأحوال تبقى شخصية الإسكندر الأكبر من أكثر الشخصيات إثارة للجدل حيا وميتا، وما يبرر الهالة الأسطورية لهذه الشخصية أن الإسكندر في خلال خمس سنوات ( 335 ق.م – 330 ق.م )، وعندما كان في الواحدة والعشرين من عمره، قاد جيوشه من هضاب مقدونيا إلى بلاد اليونان وأخضعها، ومنها إلى بلاد سوريا (فينيقيا) ومصر ثم إلى بلاد فارس (إيران)، وحتى سور الصين العظيم.