ثوان معدودة أربكت كثيرا من الدول حول العالم، خاصة الأمريكية والأوروبية إلى جانب عدد من الدول العربية إضافة إلى تركيا وسنغافورة واليابان، فى حين لم تُعلن مجموعة كبيرة من الدول عن تأثرها، بل أعلن بعضها عن عدم التأثر نهائيًا بهذه الأزمة التقنية التى ضربت كثيرا من القطاعات الحيوية بتلك الدول التى تأثرت بالعطل الذى أصاب شركة «مايكروسوفت» الأمريكية، والتى أعلنت أن سببه خلل تقنى واجهته شركة الأمن السيبرانى «كراود سترايك»، وهى شركة رائدة فى مجال منع الاختراقات مقرها أوستن، تكساس، وقد أعلنت مؤخرًا عن تحديث لمنتج «فالكون»، رأت أنه سيوفر نقلة نوعية فى مجال كشف الاختراقات السيبرانية، فى حين أن «كراود سترايك» نشرت بيانا يشير إلى أن هذا التحديث سبب فيما أصاب العالم من خلل فى كثير من الخدمات.
وعلى الرغم من عودة الخدمات بشكل تدريجى بعد تعامل الشركة الشهيرة مع ما أصابها من خلل، إلا أن سيناريو الهجوم السيبرانى عليها ليس مستبعدا، حتى وإن لم تُعلن الشركة عن ذلك بشكل مُباشر، خاصة فى ظل منافسة شديدة بينها وشركات صينية وروسية فى ذات المجال، إلى جانب اعترافات سابقة من مايكروسوفت تتهم كلًا من موسكو وبكين باختراقها، بالإضافة إلى اتهامات لهما بالتأثير فى مسار الانتخابات الأمريكية السابقة عامى 2016 و2020.
فى سبتمبر عام 2020، ذكرت «مايكروسوفت» أن قراصنة تربطهم علاقات مع روسيا والصين وإيران قاموا بعمليات اختراق من شأنها التجسس أو التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، مشيرة فى ذلك الوقت أن هذه المجموعات استهدفت حملتى المرشحين الديمقراطى «جو بايدن»، والجمهورى «دونالد ترامب».
وفى سبتمبر من العام الماضى، اتهمت «مايكروسوفت» عبر تقرير لها؛ الصين أنها تحاول توجيه الرأى العام الأمريكى عبر استخدام الذكاء الاصطناعى، وفى مايو الماضى، ذكرت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ، أن الاستخبارات الأمريكية تنظر إلى روسيا وأيضًا الصين وإيران على أنها مصدر لتهديدات مباشرة على الانتخابات الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، كما أقرّ رئيس «مايكروسوفت»، براد سميث، خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن الداخلى، بمجلس النواب الأمريكى، فى يونيو الماضى، بمسؤولية الشركة عن إخفاقات سابقة لها بشأن الأمن السيبرانى، معربًا عن أسفه لمن تأثروا فى ذاك الوقت، خاصة بعد ما تعرضت له من قرصنة خلال العام الماضى.
والمتابع لمثل هذه الأحداث، يلمس إخفاقات «مايكروسوفت» التى أصبحت مُتكررة، ففى يناير من العام الجارى، اتهم مركز الاستجابة التابع للشركة، روسيا بهجوم سيبرانى استهدف عددا من حسابات البريد الإلكترونى لكبار قادة «مايكروسوفت»، وفى واقعة مشابهة تعود إلى مارس من عام 2021، اتهمت «مايكروسوفت» مجموعة تجسس إلكترونى صينية، باختراق بيانات ومحتويات البريد الإلكترونى الخاص ببعض مستخدميها.
مما سبق نستنتج أن «مايكروسوفت» كنظام تشغيل دائمًا ما يواجه تهديدًا أيا كانت الجهات التى تقف وراءه، وهو ما اعترفت به الشركة مرارًا وتكرارًا، أو ما إذا كان لأسباب سياسية أو اقتصادية، فى ظل أن الحروب بمفهومها الحديث أصبحت تكنولوجية أكثر منها عسكرية أو على أرض الواقع، وهو ما انتبهت له الدول العظمى منذ سنوات، ولعل التعاون التكنولوجى وتعزيز الأمن السيبرانى يأتى فى مقدمة أولويات التحالف الروسى الصينى، المؤمن بأهمية تأمين البنية التحتية الرقمية، وحماية المصالح الاستراتيجية للبلدين فى ظل عالم تحول إلى الرقمنة فى كثير من المجالات والقطاعات.
ولذلك فالسيناريوهات جميعها مفتوحة حول الأزمة التى ضربت العالم، فربما الأمر مجرد خلل تقنى بسبب تحديث قامت به الشركة، أو ربما يأتى فى سياق حروب الجيل الخامس التى انتقلت إلى عالم الفضاء الإلكترونى والحوسبة السحابية التى سيطرت على العالم أجمع.
ولعل هذه الأزمة تجعلنا ندرس الأمر بعين الاعتبار، وضرورة عدم الاعتماد على مصادر بعينها لتخزين البيانات الإلكترونية الخاصة بمؤسساتنا وقطاعاتنا الحيوية، والاستعداد الدائم لحمايتها بتقنيات على أعلى مستوى، مع التحديث والمتابعة المستمرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة