سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يوليو 1926.. المعركة تشتعل حول لباس الرأس بفتوى شيخ الأزهر والمفتى بتحريم «القبعة».. وإعلان هيئة الأطباء: «الطربوش لباس غير صحى»

الثلاثاء، 02 يوليو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يوليو 1926.. المعركة تشتعل حول لباس الرأس بفتوى شيخ الأزهر والمفتى بتحريم «القبعة».. وإعلان هيئة الأطباء: «الطربوش لباس غير صحى»

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وجهت جمعية الرابطة الشرقية، برئاسة عبدالحميد البكرى، نقيب الأشراف إلى جمعية الأطباء بالقاهرة أسئلة تختص بلباس الرأس من الوجهة الصحية، وطلبت إبداء الرأى الصريح فى أيهما أوفى الطربوش أم القبعة؟ فاجتمعت هيئة الأطباء يوم الجمعة، 2 يوليو، مثل هذا اليوم، 1926 وبعد مناقشة طويلة أصدرت قرارا مؤداه بأن الطربوش لباس ليس صحيا، حسبما تذكر مجلة المصور فى عددها رقم 91، يوم 9 يوليو 1926.


تكشف «المصور» أن الأستاذ محمود عزمى زارها فى اليوم التالى لابسا القبعة بعد أن خلع الطربوش عملا بقرار الأطباء، وقال: «أما وقد أصدرت هيئة الأطباء قرارها فى الطربوش صراحة، وفى القبعة تلميحا أصبح من المحتم لبس القبعة والتى تتوافر فيها الشروط التى استلزمها الأطباء للباس الرأس الصحى»، تضيف «المصور»: إن البعض من حضرات الأطباء قرروا الاقتداء بالأستاذ محمود عزمى فى خلع الطربوش وليس القبعة مؤقتا إلى أن يتم الاتفاق على لباس للرأس فى مصر.


جاء سؤال «الرابطة الشرقية» وجواب «جمعية الأطباء» فى معركة عاشتها مصر بين عامى 1925 و1926، حول: الطربوش، والقبعة، والعمامة، ويرصد وقائعها الكاتب الصحفى جمال بدوى فى كتابه «المصور شاهد عيان على الحياة المصرية»، مشيرا إلى أنها «تحولت إلى حرب ضروس بين أنصار كل طرف، وبدأت من كلية دار العلوم حيث ظهرت الدعوة إلى التخلى عن الزى الأزهرى المكون من الجبة والقفطان والعمامة، وارتداء البدلة والطربوش كغطاء للرأس، ثم دخلت القبعة إلى الحلبة لتطيح بالطربوش عن عرشه الذى تربع عليه عدة قرون باعتباره رمزا للسيادة التركية، التى تخلصت منها مصر بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وانتصار الثورة الكمالية»، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.


يؤكد «بدوى» أن ما حدث فى تركيا بتحريم لبس الطربوش سرت عدواه فى مصر، استنادا إلى أن البلد الذى نبع منه الطربوش خلعته، فلماذا نتمسك به نحن فى مصر؟ كما أن الطربوش يرمز إلى العنجهية التركية التى أذاقت المصريين الوبال، ولكن أنصار الطربوش رفضوا هذا التبرير بحجة أنه اكتسب من طول استعماله صفة «المواطنة»، وصار رمزا للقومية المصرية والانتماء الوطنى فى مهاجمة الهجمة الأوروبية الاستعمارية، والتخلى عنه سيؤدى إلى الذوبان فى موجة التغريب التى اتسع مداها فى ذلك الوقت، ورمزها القبعة أو البرنيطة كما كانت تسمى حينئذ.


يقول «بدوى»، إن كبار الكتاب والأدباء والصحفيين دخلوا المعركة، فكتب فكرى أباظة فى «المصور» بعنوان «الحرب الطاحنة» محذرا: «إن لهيب هذه الحرب سيمتد إلى الأرياف وقراها فى القريب العاجل، وستصل العدوى من «دار العلوم» إلى القضاء الشرعى فالأزهر فالجامع الأحمدى، فالمعهد الدسوقى، فمعهد الزقازيق ثم تصل إلى مدارس المعلمين والمكاتب الأولية، ولا نعلم من سيكتب النصر «أللطربوش أم للعمة؟»، يضيف «أباظة»: «الزى ما كان فى وقت من الأوقات أصلا من أصول الشرائع، وإنما مظهر من مظاهر الذوق، فتغييره لا علاقة له بالشرع»، وتساءل: «هل يقبل الأساتذة الثائرون من طلبة دار العلوم أن يصبحوا فى العهد القريب خواجات، ومع ذلك يحفظون أحاديث البخارى ويقرأون فى كتاب الزمخشرى والقلقشندى؟».


دخلت القبعة طرفا ثالثا باستطلاع مجلة الهلال لرأى اثنين من كبار الكتاب أحدهما الأستاذ مصطفى صادق الرافعى مدافعا عن الطربوش، والثانى الدكتور محمود عزمى مناضلا عن القبعة، قال «الرافعى»: «القبعة على رأس المصرى فى مصر تهتك أخلاقى، والطربوش لم يضق، وإنما ضاقت العقول، أو ضاقت الأخلاق، وهذه الأمة منكوبة بالتقليد والمقلدين»، أما محمود عزمى، فأعلن أنه يحدد لنفسه أول يوليو 1925 ليلبس القبعة، ويؤكد عزمى أنه منذ العشرين من يونيو 1925 أعلن كل من قابله من الإخوان والأصدقاء أنه مغير لباس الرأس.


يذكر «بدوى»، أن المناقشات تواصلت من صيف 1925 حتى 1926، واتسع نطاقها وزادت سخونتها بفتوى لشيخ الأزهر والمفتى بتحريم لبس القبعة، واستندت الدولة إلى هذه الفتوى فى حظر وضع القبعة على رؤوس الطلاب، كما أنها أصبحت أيضا من عناصر الصراع بين مرشحى حزب الحكومة «الاتحاد» والأحزاب الثلاثة المؤتلفة «الوفد والأحرار والوطنى» فى مايو 1926 البرلمانية، حيث أخذ مرشحو «الاتحاد» يفخرون بأن حكومتهم حين منعت المصريين من لبس القبعة، إنما منعت أكبر ضرر كان ممكنا أن يحيط بمصر وبنيها، وردت جريدة «السياسة الأسبوعية» ساخرة من هؤلاء الذين يعتبرون لبس القبعة «هادما لأصول الشريعة الحنيفية».


يذكر «بدوى»، أن الرابطة الشرقية احتضنت فصائل هذه المعركة فوق منبرها، لكنها هربت من إصدار قرار حاسم فيها حتى لا تتورط فى الانحياز إلى القبعة، فتتهم بالمروق والخروج على الشريعة، وأحالت الموضوع إلى هيئة كبار الأطباء التى كانت بمثابة نقابة، فلم تتعرض للمسألة من جانبها الدينى، واقتصر قرارها على الناحية الصحية فقط.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة