عادل السنهورى

"حاجة تخوف" من خالد جلال داخل مركز الإبداع

الأربعاء، 24 يوليو 2024 05:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كان لى قدر كبير من الحظ أن أحضر العروض السابقة لخريجى مركز الابداع الذى يقوده بمهارة فائقة وبإتقان وحب وإخلاص الدكتور المبدع خالد جلال. شاهدت له خلال الخمس أعوام الماضية عروض "قهوة سادة" و"سلم نفسك" و"سينما مصر" وهى العروض التى تخرج منها نجوم السينما والمسرح فى مصر الآن عبر بوابة صانع النجوم وجواهرجى المواهب  خالد جلال.

فى الحقيقة العروض السابقة كانت عروضا مبهجة ومفرحة جدا من خلال نصوصها وأفكارها التى طرحها الدكتور خالد والتى كانت كلها تصب فى اتجاه واحد وهو " نحن نستمتع ونسعد ونضحك لكى نفكر ونتغير للأفضل"


وهناك ميزة خاصة يتفرد بها خالد جلال وهى الدمج النفسى للحضور من الجمهور مهما بلغت مكانته فى العرض، فكل من يشاهد العرض يجد نفسه مجسدا فى أحد أبطال العرض ، فيعيش اللحظة بكل تقلباتها فى الفرح والحزن والحنين والفقد. وكنا نعيش معه اللحظة برغبتنا وارادتنا وبصورة طبيعية للغاية


فى عرض " حاجة تخوف"  يستمر خالد جلال فى ذات الخاصية المدهشة لكنه هذه المرة ومن خلال أكثر من 50 شابة وشابا يقتحم هذا المبدع المغامر تجربة مغايرة تماما وفى غاية الصعوبة مبتكرا توجها مسرحيا جديدا وهو " المسرح الفلسفي" أو الفلسفة المسرحية دون الاخلال بعناصر الابداع المسرحى من رؤية بصرية مبهرة وموسيقى تعبيرية بديعة وأداء تمثيلى عالى المستوى.


فالعرض يبدو صادما مقارنة بالعروض السابقة ويبدو كالكابوس الممتد لنحو الساعتين لكنه كابوس فنى يتمنى كل من عاشه ألا يزول من شدة الامتاع والابداع داخله الذى لا يخلو من الكوميديا وان كانت كوميديا سوداء قاتمة.


يغوص خالد جلال هذه المرة من خلال أدواته المسرحية ورؤيته الجريئة داخل النفس البشرية المعقدة والمتشابكة وشديدة الخصوصية ويحاول انتزاع كل ما بداخلها من خوف وسلوكيات اجتماعية شاذة حتى تستعيد طقوسها الاجتماعية السوية وتعيش حياة خالصة من الشرور والاعوجاج النفسي


رمزية المكان سواء كانت شقة أو شارع أو حارة أو "قصر الخوف" هو ما لجأ اليه خالد جلال لتحريك مجموعة كبيرة من الممثلين والممثلات  فى مساحة صغيرة ..مجموعة من التائهين يدخلون الى " قصر الخوف" المحاط بالمرايا فى كل جوانبه ويستقبلهم " الأخرون" من ساكنى القصر فى رمزية أخرى الى الأرواح والأشباح التى تبدو مثل القضاة للحكم على كل حالة وتعلن أحكامها بأنه " لا يستحق الحياة من عاش منافقا ومزورا ومخادعا وجشعا " ويحذرونهم من الوقوف أمام المرايا.. ويبدأ العرض بحالات التعرى والانكشاف والاعتراف أمام الذات ويهيمن الخوف على الجميع


قصر الخوف الذى يدخله التائهون ولن يخرجوا منه الا بالتطهر والاعتراف أمام ذواتهم .شرط الخروج كان قاسيا على البشر لكنه فرض عين على كل واحد منهم حتى يتنفس الصبح ويطلع النهار. لكن شدة الخوف رغم كل ما حصل من التعرى والاعتراف تدفع هؤلاء الى الانكار " انا معملتش حاجة" وهى الصرخة التى يطلقها الجميع فى نهاية العرض. ويبقى الشرط الحتمى " حتى يطلع النهار لابد من الاعتراف والتطهر" و" حتى نستطيع أن حلم ونحقق أحلامنا لابد من التخلص من خوفنا وعوراتنا النفسية


دعوة خالد جلال من خلال " الفلسفة المسرحية " أو المسرح الفلسفي" للجميع هو الإسراع بالتخلص من الجحود والانتهازية والوصولية والكذب والخداع والتزوير والجشع والطمع والانانية والانحلال الاجتماعى وغياب الضمير وكل السلوكيات الاجتماعية والنفسية المعيبة حتى تشرق شمس ويطلع نهار مجتمع جديد يستعيد هويته وقيمه الأصيلة وعاداته وتقاليده التى تربى عليها ومخزونه الأخلاقى الذى تشكل عبر آلاف السنين على ضفاف النهر الخالد.


" حاجة تخوف" من التنصل وعدم الاعتراف والانكار بخطايانا وسلوكياتنا المشوهة... هذا هو ملخص العرض الرائع.


لكنه بصراحة " حاجة تفرح" و"حاجة تسعد " و" حاجة تشرف" الفن المصرى عامة والمسرح المصرى خاصة بمواهب مسرحية مدهشة يواصل اكتشافها خالد جلال داخل مركز الابداع، و" حاجة تطمن" أن مصر ليست فقط نهر من الماء ولكنها نهر من الفن والثقافة المتجذرة فى أرضها الطيبة ولن تنضب أبدا حتى تنتهى الحياة.


وأنا هنا أرجو من وزير الثقافة الجديد الفنان الدكتور أحمد هنو أن يوجه بضرورة أن تتجول عروض مركز الابداع بمحافظات مصر حتى يشاهدها أهالى مصر فى القرى والمدن عبر قصور الثقافة المنتشرة فى معظم أنحاء الجمهورية وبتذاكر رمزية للغاية لتحقيق الهدف والغاية من المسرح الذى هو حق للجميع.


تحية الى خالد جلال  الذى مازال قادرا على الابداع والامتاع وصناعة النجوم والمواهب وتفريغ العشرات الى المشهد المسرحى المصري، وتحية والى كل المبدعين والمواهب التى نبتت فوق مسرح مركز الابداع بالأوبرا الذى لا نعرف كيف كان حاله اذا لم يكن مديره وقائده ومبدعه خالد جلال..!

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة