يجزم الأمريكيون بمسؤولية حزب الله عن حادثة «مجدل شمس» فى هضبة الجولان السورية المُحتلّة، ويعتصمُ الأخيرُ بنفيه التورُّط فى القصف الذى أسفر عن عشرات القتلى والمصابين. والمخابيل فى تل أبيب ما زالوا يدقّون طبولَ الحرب، ورغم الغارات الجوية التى أطلقوها عقب العملية مُباشرةً؛ فإنهم يتحدَّثون عن ردٍّ ثقيل لم يقع بعد. كأنَّ إرادة واشنطن تلاقت مع رغبة نتنياهو فى إحماء الجبهة الشمالية، والسعى لإعادة تكييف التوازنات القائمة على غير ما استقرَّ طوال عشرة شهورٍ تقريبًا. ولعلّهم يسعون بالإدانة إلى امتصاص طاقة الغضبة الإسرائيلية، وتوجيه إرادة الثأر باتّجاه عمليةٍ نوعية لا تحتكمُ لأسقُف الاشتباك السارية؛ إنما لا تقودُ فى الوقت نفسه لمواجهةٍ شاملة. إذ المنطقُ أنَّ إدارة بايدن لا تُريدُ الانخراطَ فى نزاعٍ مُنفلت، ولا أن تنقلَ الملفَّ مُثقلاً بأعباءٍ إضافيّة على كامالا هاريس فى سباقها الخَشِن مع ترامب؛ لكنها تخشى فى الوقت ذاته من دعايات اليمين الصهيونىِّ عن التراخى والخذلان، وأثرها المُحتمَل على المُرشَّحة الديمقراطية، وعلى معركة تكسير العظام فى تجديد الكونجرس وبعض المناصب الأساسية فى الولايات.
توارت غزَّة مُجدَّدًا تحت سحابةٍ كثيفة من المُناكفات الإقليمية غير المُثمرة. وإذا كان الاحتلالُ يتوخَّى دائمًا أن يصرفَ الأنظارَ عن القطاع وما ينزل به من دمار؛ فالغريب أن يُسايرَه المُمانعون بعدما أسَّسوا حضورهم على دعائيَّة «المُشاغلة والإسناد». والأصلُ أن يسندوا الضحايا ويُشاغلوا القتَلَة؛ لكنَّ الحادث أنَّ كثيرًا من تحرُّكاتهم تفعلُ العكسَ تمامًا، وبدلاً عن مُكاتفة الغزِّيين فى مُصابهم تُقدِّم هداياها المجانيَّة لنتنياهو وعصابته، وتشغل العالمَ عن النكبة بدلاً من إشغال صانعيها. والمُؤسف أنها ليست المرَّة الأُولى؛ إذ سبق أن جرَتْ وقائعُها بالتفاصيل نفسها فى أبريل الماضى، عندما قرَّرت إيران أن تردَّ على قصف قُنصليَّتها بليلةٍ استعراضية من الألعاب النارية، فما وصلت صواريخُها ومُسيَّراتها للأرض المحتلَّة، ولا انتفعَ المساكين فى جنوبها من الحالة الدعائيَّة الرخيصة؛ بل تلطّى نتنياهو وراءها ليُجدِّدَ سرديَّة النزاع الإقليمى المفتوح، ويزيح عن كاهله الالتزامات الأخلاقية والقانونية، وصولاً إلى تمرير عمليَّته الفجَّة فى «رفح» تحت ستار الدخان الذى أسدله المحورُ الشيعىُّ، وأثقله الحماسيِّون بالضربة غير المفهومة وقتَها فى محيط معبر كرم أبو سالم.
المُؤكَّد أنَّ اللوثةَ القومية المُعزَّزة بخطابٍ توراتىٍّ سادر فى العُنف، لا تحتاجُ إلى مُبرِّراتٍ للإفصاح عن نواياها وإنفاذها عمليًّا، ولديها ذاكرةٌ مُترعة بكلِّ النقائص والتجاوزات دون رادعٍ من إنسانية أو قانون؛ لكنَّ صِفةَ الافتراس الأصيلة فى الضِّبَاع لا تُسوِّغ الاستخفافَ فى استثارتها، ولا الدخول معها إلى قفصٍ مُغلق. وطالما أنَّ المُعادلة مُختلَّة، والتوازنات كلّها فى صالح العدوِّ؛ فقد يكون إرجاء الجولات أسلمَ الخيارات وأقلَّها كُلفةً. ينطبقُ ذلك بالضرورة على طوفان الأقصى، مثلما يمتدُّ لكلِّ ما تلاها من صُوَر الإدارة الأيديولوجية للنزاع، وتثمير الحرب ومفاعيلها الحارقة لفائدة تيَّارٍ أُصولىٍّ تُخيِّم ظلالُه على الميدان؛ ولو أنكر اتِّصالَه بالدراما أو إسهامَه فى رسم معالمها. ولأنَّ النضالات التحرُّريّة طويلةٌ وشاقّة بالضرورة، وأقربُ إلى الحسم بالنقاط من الضربة القاضية؛ فإنَّ ما يَفوتُ المقاومةَ وبعض المُتمسِّحين فى عباءتها أن يلعبوا على ثغرات الخصم، بأكثر ممَّا يثقون بإفراطٍ فى قُواهم الذاتية، والحال أنَّ الطرفَ الكاسر لا تعوزُه القوَّة والحواضنُ الراسخة فى دعمه؛ لكنه يقتنصُ ما نُضيِّعه، ويستميتُ لتحصيل ما نحتاجُه أكثرَ منه؛ فيضربُ فى خواصرنا الهَشَّة وينفُذ من نقاط ضعفنا، بينما يكتفى فريقٌ مِنّا بأثر العاطفة وعوائد الخُطَب الحماسية.
لا حاجةَ لاستعادة ما أكَّدته السوابق؛ إذ كان إلحاقُ القضية على حاملٍ عقائدىٍّ ممَّا أضرّ باستقامتها الوطنية، وفَتَح مسارًا جانبيًّا لاستحداث مُنازلةٍ مُشوَّهة؛ فبدلاً عن طلب الحقوق الفلسطينية لأنها تاريخيّةٌ وإنسانية وقانونية، بالذاكرة والوقائع والقِيَم ومُدوَّنات المُنظَّمات الدوليّة، صارت تُطلَبُ لأنها وَقفيّةٌ مُعزَّزة بالنصوص المُقدَّسة، ويردُّ السارق بوَقفيَّاته الإلهيَّة ونصوصه المكتوبة بدَمٍ مُتخثّرٍ قديم، وإزاء الهُويَّات المُتصلِّبة والأُصوليَّات المُغرَمة بتسييد الذات وإلغاء الآخر، صارت المسألةُ صِفريَّةً لا تقبلُ القِسمةَ على اثنين، والأقوى أقدرُ بطبيعة الحال على أن يحسمَها لصالحه مُنفردًا، أو بغطرسةٍ أنجلوساكسونية تراه مندوبًا حضاريا عن الغرب الفائق فى بيئةٍ مشرقيّة بدائيّة، أو قاعدةً عسكريّةً مُتقدِّمةً فى ميدان لا يُنتجُ شيئًا أكثر من الحروب والنزاعات. هكذا أخطأتْ الإسلامويَّاتُ الفلسطينية مرَّتين: أُولاهُما عندما خلعَتْ الشالَ وثبَّتتْ العمامةَ البيضاء، ثمّ الثانية والأفدح عندما استبدلتها بأُخرى سوداء، تُطوّق الأرضَ من أطرافها بخناقٍ أشدّ غلظةً واستحكامًا، ولا يتَّصل بالسياق المَحلىِّ نشأةً ووُجودًا، كما لا يألفُ المذهبيَّات المُهيمنة فى المنطقة، ويُنزِلُها مَنزلةَ العدوِّ كالصهاينة وأكثر؛ بل إنه يرتكبُ جريمةً مُزدوجةً بتقويض الفكرة من داخلها، واختصام العروبة بأجندةٍ صَفَويَّة تكذبُ فى نواياها وأقوالها، وبالتبعية والمنطق فإنها تستمرئ الكذبَ فى أفعالها أيضًا.
فى شأن لبنان، يبدو كما لو أنه بَطَلٌ تراجيدىٌّ على عهود الميثولوجيا القديمة. يمضى إلى حَتفه راسخًا؛ لا بقوَّةِ الإرادة والصمود فى امتحاناتٍ وُجوديَّة، إنما بأثر اختطافه من نفسه، والتسلُّط على إرادته. ليست المِحنَةُ فى بلاد الأَرْز عند تُخومها الجنوبيّة فحسب، فتلك مُجرَّد بهاراتٍ دراميّة تُظَهِّرُ الأزمةَ وتُنضِجُ نكبتَه المطبوخةَ على نيرانٍ داخلية حامية. ربما بدأ الأمرُ من نطاق الاحتلال، وقتما سُمِحَ لإسرائيل باقتحامِ بيروت فى مُطاردتها الهائجة للفلسطينيين، ومن رَحْم الغزوِ تفجّرت الميليشيا الشيعية تحت راية «حركة أمل»، ومن داخلها وبالانقلاب عليها أطلَّ «حزب الله»، وسمحت الطائفيّةُ والحربُ الأهليَّة وفسادُ النخبة السياسية بتَطيِيف عناصر القوَّة، وتوزيع قرار الدولة على وكلاءٍ ينوبون عن الخارج. قُتِلَ رفيقُ الحريرى فى قلب بيروت، واقتُحِمَت العاصمةُ نفسُها بالسلاح والرايات الصفراء، ثم صُرِفَ فائضُ الغطرسة تحت لائحة «الثُّلث المُعطِّل» فى اتِّفاق الدوحة، ومن بعدها ناب الجزءُ عن الكلِّ قهرًا، وأُلغِىَ الثُلثان لصالح جناحٍ لا يُؤمِنُ بالمواطنة ولا يقبلُ ميثاقيَّةَ العيش المُشترك. هكذا تفجَّر المرفأ وطُمِرَت أسرارُه باعتسافٍ، واستفحلت أزمةُ الاقتصاد، وخرج «قصرُ بعبدا» من فراغٍ رئاسى ليدخُلَ فى الآخر، والحكومةُ مُقالةٌ منذ عامين وتعملُ تحت بند تصريف الأعمال، وحتى مظهر السيادة الوحيد، فيما يخصُّ قرار السلم والحرب، يحتكره حسن نصر الله فى الضاحية، بإلغاءٍ كاملٍ للمُؤسَّسات الرسمية وصِفَة الدولة من أساسها. وبهذا صار الدخولُ فى «طوفان الأقصى» عنوانًا على إخراج لبنان من نفسه؛ لا على وفائه الحُرِّ المُستقلّ للقضية، أو تكبُّده الفواتيرَ التى يطيقها ويقدرُ على سدادها. فكأنَّ الشعارات الشريفة تصيرُ أداةً مُنحَطّة لتضييع الحاضر، على وَهْمِ استحضار الضائع.
ربما يمرُق نتنياهو من بوَّابة «مجدل شمس» إلى ما وراء الخطِّ الأزرق؛ إنها الحجَّة التى يُدارى بها رغبتَه فى تمرير فائض القوَّة من غزَّة إلى داخل لبنان، بحثًا عن تكييف التوازنات المُختلَّة واستعادة صُورة الرَّدع. ولعِلمِه أنَّ الحزبَ ليس لُقمةً سائغةً مثل حماس، وأنَّ قيادةَ المحور تعتبرُه دُرَّةَ تاجها، ولن تتخلَّى عنه مثلما فعلت مع الفصائل الغزِّية، فإنه يتسرَّب ببُطءٍ من الشقوق والتناقضات؛ لفَتح الجبهة على صيغةٍ إقليمية أو دولية، تستدعى حُلفاءه بالضرورة للعمل معه، أو لتطويق الأجنحة الشيعيَّة من اليمن حتى سوريا والعراق، وترويض طهران رَدعًا لها عن مُغامرة الدخول فى نطاقٍ مُلتهب تحميه البوارج الأمريكية والأوروبية. وعلى هذا المعنى؛ فالنظرةُ للحرب من الضاحية تختلف عمَّا هى عليه من تل أبيب، إذ يربطُ «نصر الله» نفسَه بجبهة غزَّة، ويعتبرُ أنَّ ما يُقَرَّر بشأنها سينسَحِبُ عليه بالتبعية، وبهذا فإنه يكسبُ دعايةَ المُناوشة ولا يخسرُ عوائدَ الهُدنة؛ بينما ينطلق نتنياهو من إرادةٍ راسخةٍ فى فصل الجبهات عن بعضها، ليُحقِّق بذلك أثرَ الصدمة والتفكيك لشعارات «وحدة الساحات» التى رفعتها إيران وأذرُعها، ولم تلتزم بها عَمليًّا مع فلسطين منذ أكتوبر، ثمّ أنْ يُفسِحَ لنفسه مسارًا لاستكمال الحرب شمالاً؛ إن اضطُرَّ لوَقفها فى الجنوب، لا سيِّما وقد بات مُستقرًّا فى الوعى الصهيونىِّ أنَّ المخاطرَ الحِزبيَّة أضعافُ نظيرتها الحماسيَّة، وأنه لا يُمكن له التعايُش مع الآلة العسكرية المُتضخِّمة جنوبىِّ الليطانى.
من الصَّعْب الجَزمُ بأنَّ حادثة القرية الدُّرزيّة فى الجولان ستكون فاتحةَ الحرب؛ لكنها لن تكون تمرينًا اعتياديًّا كما فى سابق الوقائع بين أكتوبر واليوم. والجَلىُّ الآن أنَّ الصدام مع لبنان واقعٌ لا محالة، ولعلَّه مسألةُ وقتٍ لا أكثر. فالسؤالُ: متى يُكرِّر الصهاينةُ جنونَهم الماثلَ فى غزَّة على الحدود الشمالية، وليس هل يحدث هذا أم لا. وما يمنعُهم أنَّ الجيش مُنهَكٌ بدرجة قاسية، وقُدرات الاحتياط مُستنزَفَة، والاقتصاد تلقَّى ضرباتٍ لا تسمحُ بمُغامرة إضافيّة من دون أُفقٍ زمنىٍّ واضح، ولا سبيلَ لتجاوز كلِّ تلك العقبات إلَّا مع تأمين الحاضنة الغربية، وأنها لم تتقاعس عن الإمداد وتأمين اللوجستيات، ولا عن العمل الميدانىِّ المُباشر حال فَرَضَتْه الظروف. والإشاراتُ الأوّليَّة بعد «مجدل شمس» جدَّدت تأكيدَ واشنطن لالتزامها بأمن إسرائيل، كما أنَّ الحاضرين على رقعة المنطقة من أوروبا لن يتخلَّفوا عن السير فى ركاب الأمريكيين، وإن افترضنا أنَّ الانتخابات تُعطِّل ذلك قليلاً؛ فإنَّ نتائجَها تُعزِّزه لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض. والشِّيعةُ يعلمون ذلك تمامًا؛ لذا تراجعوا عن تصلُّبِهم بشأن التهدئة فى غزَّة، وحفَّزوا «حماس» على تقديم مزيدٍ من التنازلات، قبل أن يعودَ نتنياهو لشَدِّ الحَبل مُجدَّدًا بشروطٍ إضافيّة صعبة. وهكذا بين كَرٍّ وفَرٍّ لن يُنجَزَ الاتِّفاقُ سريعًا، لا لأجل إبقاء القطاع ساخنًا؛ بل تحسُّبًا من برودة الجبهة مع حزب الله.
تضيقُ الفروق على جانبى الخطِّ الأزرق؛ إذ يبدو نتنياهو ونصر الله كأنهما يغرفان من معينٍ واحد. وإن كان الليكود ينطلقُ فى يمينيَّته من نزعةٍ قوميَّة طاغية؛ فإنها لا يتوانى عن تغليفها بظلالٍ توراتيَّة، وزعيمُه ينظرُ لنفسه من زاوية الحكايات التاريخية عن ملوك اليهود، وقد تَوَّج رقصَه بين العِرق والدين بائتلافه مع أحزاب المستوطنين والحريديم. وسماحةُ السيِّد يستظلُّ برَايةٍ عقائديَّة خالصة؛ إنما ينتسبُ من ورائها لجُذورٍ فارسيّة تخلطُ الدين بالجغرافيا والمذاهبَ بالأعراق؛ وهذا ما تقومُ عليه إسرائيلُ أساسًا؛ منذُ اعتبرَتْ المُعتَقَد جِنسيَّةً ومُواطنة، والتوراةَ دُستورًا لبلدٍ يُصنِّفُ نفسه مدنيًّا ويعيش دون عقدٍ اجتماعى مكتوب. أمَّا فى إدارة الحرب؛ فالاثنان لا يتورَّعان عن الاستثمار فى الفوضى والدم: فعلها المُحتَلُّ فى فلسطين، وقلَّدَه المُقاومُ فى سوريا وداخل الوطن اللبنانى نفسه، وبالنسبة لكليهما فلا كرامةَ لدماء الأغيار، أكانوا سُنّةً أم عَرَبًا ودُروزًا، وهذا ممَّا يُعلِّقُ جرسَ «مجدل شمس» فى عُنقيهما بالتساوى؛ لأنهما وَلغا فى دماءٍ شبيهة لعُقودٍ خَلَت، ولأنَّ الانتساب للتشيُّع أو العمل فى خدمته هما مناطُ التقدير الوحيد، مثلما يُقاسُ القُرب من تل أبيب أو البُعد عنها بتلبُّس الصهيونية والانخراط فى سرديّتها الزاعقة، وقد يخدمها بعض من يدَّعون عداوتها، بأكثر مما يفعل أصدقاؤها والمنتمون لها بالدم والاعتقاد.
إنها لُعبةُ الهروب من الحرب إلى الحرب؛ جرّبها قائدُ الحزب فى العام 2006 باختطاف جُنديَّين صهيونيِّين من نقاط التَّمَاس، وعندما دَكَّ الاحتلالُ الجنوب وقتلَ المئات عادَ السيِّدُ نادمًا، وقال لو أنّه يعرفُ المآلَ ما أقدمَ على المُغامرة. وها هو يُجدِّدُها اليومَ، وبينما يُغرِقُ نتنياهو فى المقتلة جنوبًا؛ فلأنه يسعى للرَّدْع والتخويف، وكَىّ الوعى الفلسطينى بحيث لا يُقدِمُ على التجربة مُجدَّدًا؛ لكنه يزرعُ الثأر فى نفوس اليتامى والأرامل والمجروحين بالظلم الفادح، والأخطر أنه يُغذّى رصيد الشعاراتيِّين والمُتاجرين بالقضية. وكلَّما امتلأت الخزائنُ فاضت القوّة وطلَبَتْ التعبيرَ عن نفسها، فتدعو غريمَها للنزال، ويخسرُ كلٌّ منهما ما يُرضى الآخر، ويربحُ ما يُغريه بمُواصلة اللعبة بافتتانٍ وشغفٍ ومطامع أكبر، بينما يموتُ العوام فى الانتصار والانكسار، ومع العدوِّ والصديق على السواء.. ضحايا الاحتلال فى غزَّة لا يختلفون عن ضحايا الحزب فى ساحة النجمة؛ وكلاهما لا يختلف عن أبرياء «مجدل شمس» الضائعة دماؤهم بين تبادُل الاتهامات وسباقات المنافع. هكذا تبدو الحربُ غايةً مقصودةً لذاتها؛ لأنَّ طرفيها يُحبّان الموت بأكثر ممَّا يُحبُّ الناسُ الحياةَ، ولأنَّ فكرتَهما واحدةٌ ولو تلوَّنت بالأزرق هنا وبالأسود هناك؛ فكأنه الليكود يُغيّر شكلَه ويلعبُ فى الناحيتين، وهكذا تضيقُ الخيارات على الواقعين فى نطاق النار، وتبدو الحرب قَدَرًا لا فِكاكَ منه للأسف، ولا حيلةَ فيه أو شفاعة؛ إنما رجاء الرحمة السماويّة فحسب، وألّا تهبَّ الريحُ فى أشرعة المخابيل على أىِّ شاطئ كانوا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة