سودان جديد وموحد مخرجات هامة أفرزها اجتماع القوى السياسية السودانية في القاهرة، من أجل وقف الحرب الطاحنة المستمرة منذ حوالي عام ونصف العام ما أدى لنزوح ملايين المدنيين السودانيين، ودمار مقدرات الدولة السودانية التي تمتلك مقومات واعدة تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي والدفع بالسودان نحو مصاف الدول القوية والفاعلة في محيطها الافريقي والعربي.
الأزمة السودانية لا يمكن حصرها فقط في الصراع الذي يقوده الدعم السريع على السلطة ولكن هي أزمة معقدة ومتشابكة والأساس فيها التدخلات الخارجية، وإخراج الدولة السودانية بالأسلحة دعما لطرف يقود الحرب ضد السودانيين كافة والمؤسسة العسكرية بشكل خاص، فضلا عن عمليات السلب والنهب التي تجري على قدم وساق في ظل تدهور الأوضاع الأمنية.
تحرك الدولة المصرية من أجل دعم الأشقاء السودانيين يهدف بالأساس لتوحيد صفوف السودانيين واعتماد مبدأ الحل السوداني / السوداني بعيدا عن التدخلات الخارجية التي أزكت نار الحرب بتحركات مريبة وخبيثة تركز على تقسيم المقسم في دولة السودان التي عانت ويلات الحروب الأهلية والاقتتال بين القبائل والقتل على الهوية خلال العقود الماضية.
يتشابه الوضع في السودان مع الوضع في الجارة ليبيا التي تعاني أيضا من انتشار السلاح بشكل كبير جدا وتدخل أطراف إقليمية ودولية سياسيا وعسكريا من أجل تحقيق أجندتها الخاصة، وتشترك هذه الأطراف الخارجية في عملية دعم حالة عدم الاستقرار في شمال افريقيا بشكل عام وليبيا والسودان بشكل خاص، من هنا تكمن أهمية الدور المصري المحوري والتاريخي الفاعل في حل أزمات الإقليم والدفع نحو تقريب وجهات النظر ورفض أي محاولات لإقصاء أي طرف سياسي من الحل النهائي للأزمة.
ما ذنب جيل كامل من الشباب السوداني بأن يتحول إلى وقود للحرب في البلاد أو العيش خارج البلاد في ظروف قاسية ولا تحتمل، السودان لن يبنيه إلا شبابه وقبائل ونسائه ولابد من وقفة مع النفس وتقييم ما حدث للبلاد خلال العامين الماضيين والتفكير في الأطراف المستفيدة من حالة الانفلات الأمني والقتل والسرقة والنهب، بالتأكيد الشعب السوداني وحده هو الخاسر الوحيد في ظل ما يحدث في البلاد.
السودان هي عمق استراتيجي للأمن القومي المصري الذي يبدأ من الحدود البعيدة لدول الجوار، وهو ما دفع الدولة المصرية للاضطلاع بمسؤولياتها التاريخية والعمل على تهيئة الأجواء لكافة المكونات السودانية للتوافق على خارطة طريق للحل تنفذها الأطراف السياسية السودانية بعيدا عن لغة التهميش أو الإقصاء من المشهد السياسي.
الحالة الإنسانية المتردية والخسائر المادية وغيرها من الأزمات داخل السودان تحتاج من القوى السياسية السودانية رفع راية الوطن وتنحية المصالح الشخصية جانبا كي لا يتم استنساخ النموذج الليبي في السودان، ليبيا التي خسرت أكثر من 150 مليار دينار منذ 2011 وحتى الآن نتيجة الحروب والصراعات وجرائم الميليشيات الدولة التي تحاول تنصيب نفسها قيادة للبلاد بتهميش دور السلطة التنفيذية والعمل على بناء ممالك للتشكيلات المسلحة وقودها أموال ومقدرات الشعب الليبي من غاز ونفط وذهب.
يجب أن تتوقف المدافع والدبابات عن القصف في السودان بأقرب وقت ممكن على أن يكون القتال من أجل الوطن على طاولة التفاوض وليس بالآليات العسكرية، الفطرة الطيبة والنقية للشعب السوداني قادرة على الانتصار بوقف الحرب ووضع حد للتدخلات الخارجية، السودان وحده هو الخاسر الأول والأخير في معادلة الحرب والاقتتال، مصر لن تتخلى أبدا عن الأشقاء في السودان فنحن شعب واحد تجمعنا قيم الاخوة والمصاهرة والدم... عاشت وحدة وادي النيل.