موجة جديدة من التحولات السياسية فى أوروبا والعالم، اليمين يصعد فى أوروبا، ويستعد دونالد ترامب لجولة ساخنة فى الولايات المتحدة فى مواجهة بايدن والديمقراطيين، بعد مناظرة أربكت صفوف الديمقراطيين، ومنحت الجمهوريين أملا فى استعادة الرئاسة، بما تحمله من تحولات فى السياسة والاقتصاد، وأيضا غادر حزب المحافظين السلطة بعد 14 عاما، بعد أن حقق حزب العمال فوزا ساحقا فى الانتخابات العامة فى المملكة المتحدة، وتم تعيين كير ستارمر رئيسا للوزراء، منهيا حقبة شهدت خمسة قادة مختلفين من المحافظين للبلاد، آخرهم ريشى سوناك، الذى لم يكن أفضل حظا من سابقيه، وقد شهدت فترة المحافظين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست» عام 2021، بعد أربع سنوات ونصف السنة على الاستفتاء الذى صوّتت فيه أغلبية البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى، كانت السنوات التى تلت الاستفتاء مُربِكة، استقال ديفيد كاميرون، وتريزا ماى، وبوريس جونسون، وتبدأ مرحلة جديدة، خاصة أن انعكاسات البريكست تتفاعل فى أوروبا ضمن تحركات اليمين تجاه الاتحاد الأوروبى وسياسات الهجرة واللجوء.
لم تتوقف التحولات والتفاعلات منذ العقد الأخير للقرن العشرين، وتشهد الآن صعودا لتيارات اليمين فى أوروبا، فى عام 2017 كانت مؤشرات صعود اليمين فى فرنسا بالانتخابات مهددة للتحالفات التقليدية للسياسة، وهو أمر يتجدد الآن ويعنى انعكاسات متنوعة على مسارات السياسات، فقد فرضت انتخابات الاتحاد الأوروبى، المجال العام للنقاشات، ثم تأتى الانتخابات الفرنسية لتضاعف من قلق أوروبى، من تأثير فى السياسة والاقتصاد، بل وأيضا مصير الصراعات الدائرة، فى أوكرانيا أو غيرها.
فى انتخابات الاتحاد الأوروبى، التى جرت فى يونيو الماضى حققت الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف «أقصى اليمين» مكاسب كبيرة فى انتخابات البرلمان الأوروبى، وجاءت هذه الأحزاب بالمركز الأول فى فرنسا وإيطاليا والنمسا، وحلت ثانية فى ألمانيا وهولندا، محدثة زلزالا سياسيا فى فرنسا، وأعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، عن حل الجمعية العمومية وإجراء انتخابات عامة مبكرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية التى فاز فيها حزب «التجمع الوطنى» اليمينى، وفى حال فوز اليمين فى الانتخابات سوف يصبح جوردان بارديلا رئيسا لوزراء فرنسا.
وجاء نجاح اليمين المتطرف بأغلبية كبيرة فى انتخابات البرلمان الأوروبى الأخيرة ليثير المخاوف فى أوروبا، وفى رد فعل دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لانتخابات مبكرة أثارت مخاوف من أن تكون فرصة لصعود اليمين بقيادة ماريل لوبان.
مخاوف ماكرون والقادة الأوروبيين من صعود اليمين ترجع إلى أجندة اليمين فى ملفات سياسية واقتصادية، إقليميا ودوليا، وزيادة سلطة الدولة القومية وتقليص سلطات الاتحاد الأوروبى فى ملفات كثيرة، من بينها الهجرة واللجوء وهو الملف الأكثر انعكاسا على السياسات الأوروبية المشتركة.
فى فرنسا بالجولة الأولى للانتخابات التى دعا إليها ماكرون حقق اليمين فوزا وحصل على أكثر من 34 % من الأصوات، متقدما على تحالف اليسار أو «الجبهة الشعبية الوطنية» ما بين 28.5 و29.1 %، وكذلك على معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون «20.5 إلى 21.5 %»، وأول يوليو خرج آلاف فى الساحات الرئيسية بفرنسا، للاحتفال بنتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية والتى فاز بها حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف، وأخرى تأييدا للجبهة الشعبية الجديدة وإظهار الرفض لهذا الفوز.
فى المقابل أعلن زعيم اليمين المتطرف فى هولندا خيرت فيلدرز، أن حزبه يريد الانضمام إلى مجموعة برلمانية أوروبية أعلن عن تشكيلها مؤخرا رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، وهى المجموعة التى أُطلق عليها اسم «وطنيون من أجل أوروبا»، وانضم لها الحزب اليمينى المتطرف فى النمسا، والحركة الوسطية التشيكية بزعامة رئيس الحكومة السابق أندريه بابيش، وتحتاج الكتلة الجديدة دعما من أحزاب من 4 دول أخرى على الأقل، ليتم الاعتراف بكونها تكتلا فى برلمان الاتحاد الأوروبى.
وكثيرا ما عارض فيكتور أوربان - الذى تولت بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى- ما يسميها «نخب بروكسل»، واتهم الاتحاد الأوروبى مؤخرا بتأجيج الحرب فى أوكرانيا.
وتعهدت المجر باستغلال رئاستها للاتحاد الأوروبى للدفع باتجاه «رؤيتها لأوروبا» تحت شعار «لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى»، مرددة الشعار الذى أطلقه حليف أوربان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى الولايات المتحدة، ويشغل حزب الحرية بزعامة فيلدرز 6 مقاعد فى البرلمان الأوروبى، وفاز فى الانتخابات البرلمانية التى جرت بهولندا فى نوفمبر الماضى، ويعد أكبر حزب فى الائتلاف اليمينى الرباعى الحاكم الذى أدى اليمين الدستورية الثلاثاء الماضى بقيادة رئيس الوزراء ديك شوف.
كل هذه الخطوات إذا وضعت مقابل خروج المحافظين من حكم بريطانيا، واحتمالات عودة ترامب، ومع تقدم اليمين فى فرنسا، فقد واجه تكتلات وتحالفات من أوروبا دعما لماكرون الذى يبدى تخوفا من فوز اليمين بما يحمله من خطر، لكن الواقع أن صعود اليمين يشير إلى أنه يحصل على أصوات الشباب من جيل الألفية، الذين يميلون لآراء اليمين، بصرف النظر عن سياقات الأحداث وميول النخب التقليدية، وفى كل الأحوال فإن أوروبا والعالم يشهدون تحولات عاصفة فى المجتمع والسياسة سيكون لها تأثيرها على العالم وحتى على ما يجرى فى الشرق الأوسط، والعالم فى القريب.
مقال أكرم القصاص فى العدد اليومى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة