إذا تحدثنا عن أن أولويات الحكومة الجديدة إرضاء المواطن والحفاظ على محدادات الأمن القومى فإن الأمر يفرض – وبقوة - استراتيجية جديدة للإعلام المصرى، ويفرض على الحكومة الجديدة أن تغير من رؤيتها تجاه التعامل مع الصحافة والإعلام، لأن إرضاء المواطن – في اعتقادى – لا يتحقق إلا من خلال التداخل المباشر مع مشكلاته وإشعاره بأنه في حيز الاهتمام دائما بعرض معاناته والاستماع إليه وتقديم المعلومة والتوضيح بشكل جدى وسريع، وهو ما يتطلب تقريب المسافات، وأول الخطوات- في ظنى - أن تنتقل الحكومة من دائرة الاتهام والدفاع عن نفسها إلى دائرة المكاشفة والمصارحة طوال الوقت، ما يعنى الاستماع إلى وجهات نظر الجميع خاصة الصحفيين والإعلاميين والمفكرين والنخب للتشاور والتناقش والتباحث والاستماع حتى لا يعمل الإعلام والصحافة والحكومة في جزر منعزلة.
ولأن تعزيز مفهوم الأمن القومى عند المواطن، يجب أن يبدأ بالوعى والتثقيف بشأن علوم أنشأت – أصلا - منذ أكثر من 75 عاما وتطورت لتنتقل من غرف التنظير إلى المؤسساتية، فكلنا نعلم أن الأمريكيين أنشأوا مجلس الأمن القومي الأمريكي وقاموا بشرعنته بإصدار الكونجرس قانون الأمن القومي الأمريكي العام 1947، ثم أصبح جزءا من السلطة التنفيذية بتعيين مستشار للأمن القومي لأن دوره مهم فى صناعة السياسة الداخلية الخارجية الأمريكية وتأثيره كبير وعلى كل الأصعدة والمستويات، أما بالنسبة لنا ما زالت تغلب علينا – ونحن في 2024 - ثقافة الأمن القومى بأنها دفاعات عسكرية مقابل تهديدات عسكرية دون اعتبار للتطور ولا للمخاطر، سواء كانت مخاطر تتعلق بالشق العسكرى أو السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو الثقافي أو الإعلامى.
لذلك، أعتقد أن تشكيل الهيئات الوطنية للإعلام فور تشكيل الحكومة وتعيين مستشار للرئيس للشئون الإعلام يعنى – وبقوة - أن الرئيس يحرص على إعادة الاعتبار للإعلام، ويعنى أن هناك رؤية جديدة للإعلام تتناسب مع المرحلة المقبلة، وتتجاوز ما حدث خلال الفترة الماضية، خاصة أنه لا أحد ينكر أنه كان هناك مشكلات واجهت الحكومة السابقة في التعامل مع الإعلام مما زود من نشاط الشائعات وتصدرها للمشهد خاصة مشهد الاعلامى الافتراضى ما كلفها جهودا كبيرة للصد والتوضيح والتفنيد وأحرجها أيضا في تعاملها مع بعض الملفات، وبالتالي فالتقارب مع الصحافة والإعلام بالمصارجة والمكاشفة يغلق الباب أمام الشائعات والخصوم، ويحقق المنفعة للطرفين.
لذا، نقول: إن من الجيد ما يحدث في التعامل مع الإعلام، لكن من المهم أيضا عدم استبعاد المواطن من استراتيجية الإعلام الجديد ولا من المعادلة بشكل واقعى، لأن تواجده في المعادلة يضمن نجاحها وتحقيق أهدافها والانتقال بها من الكلمات المرصوصة على الصفحات أو أثناء التحدث أمام الشاشات، وهذا لا يتحقق إلا بحضور المعلومة دائما، وباتباع الشفافية المطلقة وبفتح الملفات العاجلة الخاصة بجودة حياته.
والأهم .. التوحد مع المواطن في عرض مشكلاته ومعاناته، خاصة في لغة التواصل معه، بحيث تكون لغة بسيطة وسهلة وواقعية، بعيدا – قليلا - عن لغة البيانات والإحصائيات، فالبيانات لها مساراتها وقوالبها الإعلامية التي توظف فيها لتعزيز الوعى كالمؤتمرات والندوات، أما لغة التواصل اليومى مع الجمهور يجب أن تخضع للمعايير الجماهيرية.. وسنسرد لها مقالا وعن المعادلة الإعلامية التى من المفترض أن تضم "الإعلام - المواطن - الحكومة" بإذن الله تعالى.. حفظ الله مصرنا الغالية