د. عصام عبد القادر يكتب: إعادة الهيكلة.. وزارة الثقافة أنموذجًا

الخميس، 15 أغسطس 2024 04:42 م
د. عصام عبد القادر يكتب: إعادة الهيكلة.. وزارة الثقافة أنموذجًا د. عصام عبد القادر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يتكون النسق الثقافي مما يدين به المجتمع من عادات ومعتقدات وقيم وسلوكيات؛ حيث ساهم ما خلفه السابقون من تراث ممزوج بتاريخ ملىء بصور النضال في بناء حضارته؛ فبدت باقية تمد الفرد بالطاقة الإيجابية؛ فتعد مصدرًا للفخر، ومنبعًا للقوة والطاقة، ومن خلالهما تتنامى العطاءات وبذل الجهود بغية البناء والإعمار في صورته المستدامة.

وتُعد الثقافة والوعي بمفرداتها ومكونها من مقومات الأمن القومي المصري؛ كونها تشكل الوجدان وتقدح الأذهان، وتحافظ على البنى المعرفية الصحيحة، وتنمى الفكر في صورته القويمة؛ فتجعل الإنسان قادرًا على العطاء، معتزًا بما لديه من تراث وحضارة وتاريخ يؤكد أصالة المعدن؛ فيتحمل الصعاب ويبلغ المنى ويثابر في بناء نهضة الوطن.

ومما لا شك فيه أن الثقافة تكمن أهميتها في بناء وعي قائم على فكر سديد، يساعد الفرد في أن يدرك ما يحيط به وبمجتمعه من محددات وتحديات، كما تمد الثقافة الفرد بمعارف ذات ألوان عديدة، منها ما يتعلق بالفنون، ومنها ما يرتبط بمهارة الأداء، ومنها ما يتعلق بحسن التعبير، وهذا من شأنه يؤدي إلى أن يصبح فطنًا، يفقه بواطن الأمور.

وقد أعلن وزير الثقافة عن استراتيجية وزارته منذ أن تولى المهمة والمسئولية التي نرى أنها جسيمة؛ إذ تستهدف تنمية الفكر وصناعة الثقافة في صورتها الإبداعية، وهذا يتطلب منه أن يوظف ما لديه من رأس مال بشري في تحقيق الغايات العليا لوزارته، وهنا نتحدث عن نقلة أو طفرة نوعية في القطاعات والمجالات المختلفة.

ومما لا شك فيه أن الوزارة في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة، وهذا الأمر يستلزم أن يتخذ سيادة الوزير القرار السليم والمناسب في ضوء معطيات، ومعلومات صحيحة موثقة ودراسة مستفيضة للهيكلة المزعومة، وفي ضوء ذلك يضع عدد من البدائل تتيح له حرية الاختيار من بينها، كما يتطلب أن تكون هناك معايير حاكمة للاختيار.

وجولات الوزير الميدانية تساعده في إعادة الهيكلة وصناعة القرار بصورة متأنية في اختيار رؤساء الهيئات والقطاعات وباقي الهيكل التنظيمي؛ حيث إن متابعة آليات التنفيذ تعد منهجية رئيسة لصناعة القائد الذي يحسن الاختيار فيمن يوكل لهم أمور فنون الإدارة بصورتها المبتكرة؛ فلا يتوقف الأمر عند حد الاختيار؛ لكن دلالة النتائج تجعله يصبح مرنًا؛ ليغير ما يلزم أن تطلب الأمر ذلك، وهنا تبدو عبقرية القيادة.

والمتابعة الميدانية من وزير الثقافة يستكشف من خلالها بعض المعوقات التي تؤكد مدى مقدرته كقائد صاحب رؤية سديدة على التحمل والمثابرة في بلوغ الهدف والصلابة تجاه ما يواجهه من تحديات على المستوى الداخلي أو الخارجي، ونرى أن السياج المنيع ضد المعوقات بتنوعاتها المختلفة تقوم على تمسك الوزير بالقيم والتقاليد المجتمعية، وانتماءه الخالص لتراب وطنه، وإعلاء المصلحة الكبرى للوطن على المصالح الشخصية مهما بلغت الضغوط، وحرصه على المعرفة العميقة التي تساعده على أن يكون قراره عقلانيًا رشيدًا عند إعادة هيكلة وزارته.

ومن المعايير التي ينبغي أن يعتمد عليها الوزير في اختيار من يتولى أمور قيادة الهيئات الرئيسة بالوزارة، أن تتوافر في الفرد المكلف قوة التحمل مع زيادة الضغوط وتنوعها؛ حيث يتحلى المسئول بالصبر وطول البال والتريث عند تفاقم الأمور؛ ليستطيع أن يتخذ القرار المدروس الذي يتحمل تبعاته ولا يتراجع فيه، وأن يستند على معرفة عميقة وخبرة متراكمة.

ومن المبادئ التي ينبغي أن تتوافر في المسئول الإصرار، والاستقامة، وهاتان السمتان تشكلان شخصيته، وأن يكون أنموذجًا في أفعاله وأقواله وتصرفاته، وأن يكون لديه دأب وسعي حثيث لتنمية مهاراته كي يستطيع أن يساير كل ما هو جديد في مجاله، وهناك الحزم مقابل المرونة؛ فلا إفراط ولا تفريط؛ فالحكم والمحك يقوم على أمرين مهمين، هما النسق القيمي ومصلحة الوطن العليا التي لا جدال حولها.

ويتوجب على من يتم اختياره أن يمتلك الخبرة النوعية التي تساعده على الإصلاح والتطوير في آن واحد؛ إيمانًا بأن المنظومة المؤسسية قد تتعرض لتحديات ومشكلات أدت لتوقفها على العطاء المرتقب منها، وأن الإصلاح يرتبط ارتبطًا وثيقًا بالتنمية البشرية في الاتجاه الصحيح يقوم على التدريب المستمر لاكتساب الخبرات الجديدة التي تواكب كل مستجد على الساحة الدولية؛ إذ يستهدف المسئول الطموح بأن يصل لمستوى الريادة والتنافسية بعد مرحلة معينة، ولا يتوقف عند حل مشكلات آنية.

ولا تنازل عن أمر غاية في الأهمية عند اختيار المسئول؛ حيث يتوجب أن يعي جيدًا ضريبة تبني فلسفة الإصلاح والتطوير؛ فلا يلقي بالًا بالشائعات المغرضة والاتهامات المزيفة من أصحاب المآرب غير السوية؛ لأن الانشغال بهذه الأمور الصغير يؤدي لإحباطات ومن ثم يتوقف العطاء وتقل الرغبة وتضعف الرؤية نحو المستقبل المشرق؛ لذا يتوجب عليه أن يمتلك الهمة العالية التي تساعده في الانتقال من إنجاز لأخر دون توقف أو تراخي.

ونثمن اختيار معالي الوزير لنائب الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية الذي بادر منذ اللحظة الأولى إلى النزول للميدان؛ ليقف على ما يواجه المؤسسات من مشكلات وتحديات ويضع من الحلول ما يساهم في تحقيق أهدافها المنشودة؛ لأن المرحلة الآنية تستوجب من الجميع أن يتابع إنجازات مؤسسته عن كثب وقرب؛ فقد بات العمل المكتبي لا أثر فاعل له.

ونرى أن الوزير يعتمد منذ توليه على ماهية التخطيط الاستراتيجي؛ حيث يمكنه ذلك من الحفاظ على مقدرات الوزارة المادية والبشرية، ويسعى دومًا إلى تعظيم هذه المقدرات؛ إذ يسير وفق إطار يتسم بالمصداقية والجدية والمنهجية الرصينة، مع الالتزام بجدولٍ زمنيٍّ مرنٍ وخبرةٍ عمليةٍ عميقةٍ، ونسمي ذلك بالطريق الصحيح.


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة