كثيرون يظنون أن الفلاسفة والعلماء لا تربطهم أي صلة، فالفلاسفة من وجهة نظر البعض هم مُجرد أشخاص يغلب عليهم الخيال والشرود، وأحيانًا التطرف في الأقوال والأفعال والأفكار، في حين أن العُلماء أصحاب فكر عملي ومنطقي، ويحكمون على الأمور والأشياء من مُنطلق نظرية لها أسبابها وحُججها العلمية، ولا يسمحون للخيال أن يفرض سياجه على قراراتهم وآرائهم، وعليه يرون أن هناك مساحة شاسعة بين الفلاسفة والعُلماء ويصعب اجتماعهم عند نُقطة واحدة.
والحقيقة أن هذه النظرية غير صحيحة على الإطلاق، فالفلاسفة والعُلماء هما أكثر فئتين تجتمعان عند عدة نقاط، فكليهما يرفض الفكر التقليدي، وكليهما يبدأ نظرياته بحلم يُطلق له عنان الخيال، ويظل يسير وراء حُلمه وهدفه حتى يُحققه، وكليهما يأمل في تغيير العالم من حوله، ولديهما الإرادات الفولاذية، والإصرار الحقيقي.
وما لا يُدركه الكثيرون أن العالم دائمًا ما يكون فيلسوفًا، لأنه يُفلسف نظرياته العلمية، بل ويُفلسف حياته، وكذلك الفيلسوف لابد أن يكون عالمًا، يبني آراءه على فكر منطقي، ويرى الحياة من منظور مُختلف، ومَنْ يُفكر بهذا الأسلوب لابد أن يكون عالمًا.
فالفلسفة والعلم اجتمعا لتغيير أفكار وسلوكيات الناس، فكليهما يبحث عن الحقيقة، لذا لا يُمكن فصلهما عن بعضهما البعض، فمَنْ يظن أن الفلسفة خيال، والعلم واقع فهو مُخطئ، لأن العلم يبدأ بالخيال، والفلسفة تنتهي بالواقع، فكليهما يُكمل الآخر، ولا يُمكنهما أن ينفصلا، وإلا تحولت الفلسفة إلى خُرافات، والعلم إلى جُمود، وفي تلك الحالة سيفشل الاثنان.
وللعلم بالشيء، جميع العُلماء لهم آراء وأقوال فلسفية عن الحياة، وهذا يُؤكد أن العلم لم يكتمل إلا بفلسفة تطرح وجهة نظره، وتُؤكد حُججه.
وفي الحقيقة، نحن نبني الحياة، ونُربي الأجيال على أساس علمي وفلسفي، فبدونهما سيكون العقل خاويًا، والفكر جامدًا، والقلب فارغًا.