محمد أحمد طنطاوى

الكتب الخارجية.. لا للشماتة

الأربعاء، 21 أغسطس 2024 10:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انشغل الرأي العام خلال الأيام الماضية بقضية تطوير مناهج الثانوية العامة بعد دمج بعض المواد، وتقليص البعض الآخر، وانعكاسات هذا على شرائح كبيرة من المعلمين، خاصة المواد الفلسفية واللغة الثانية، نتيجة خروج هذه المواد "غير المضافة للمجموع" من سباق الثانوية العامة، والعائد من حصيلتها في الدروس الخصوصية، خاصة أن الأمر جاء مفاجئا دون تمهيد أو إجراءات استباقية، فتغيرت المناهج بين عشية وضحاها، وبالطبع سيكون لهذا الأمر آثار اقتصادية واجتماعية مهمة على شريحة كبيرة من المعلمين.

في مصر دائماً ما يرتبط الطلاب بالكتب والمراجع الخارجية باعتبارها أداة مهمة وفعالة في التدريبات العملية، ومحاكاة الاختبارات التي يتعرض لها الطالب في امتحانات نهاية العام، حتى وإن هاجمها المسئولون في وزارة التربية والتعليم، لذلك غالباً ما يسارع الطلاب على اختلاف مراحلهم الدراسية لشراء الكتب الخارجية في شهور الصيف، قبل الدخول إلى المدارس، أو توارثها من صف إلى آخر داخل الأسرة أو في دائرة الأصدقاء والجيران كنوع من الدعم والمساندة.

أغلب الشركات التي تتولي طباعة وتجهيز وإعداد الكتب الخارجية المدرسية، تبدأ عملها مبكراً وتسبق دائماً بخطوة استعداداً للعام الجديد، وتطبع حصتها قبل المدارس ببضعة أشهر، حتى تكون جاهزة في المكتبات على مستوى محافظات الجمهورية، وتتنافس جميعها للدعاية والدخول إلى بيت كل طالب، وهذا هدف مشروع، حتى وإن اختلفنا حوله، لكن ما حدث هذا العام ضربة قاسية لكل من يعملون في الكتب الخارجية، بل وصناعة الورق والطباعة، فبعد تغيير مناهج المرحلة الثانوية، وتطوير الصفين الأول والثاني، وإلغاء مواد من الصف الثالث، أصبحت هذه الكتب غير صالحة للمناهج الحديثة، وغير مواكبة لمتطلبات الدراسة.

البعض ينظر إلى موضوع الكتب الخارجية من باب "يستاهلوا اللي جرالهم"، أو "اشربوا الكتب اللي طبعتوها"، لكن يجب أن ننظر للأمر باعتباره صناعة مهمة، لها مكونات إنتاج ومدخلات دولارية وعملات صعبة، فالأمر ليس مساراً للشماتة أو التشفي، بل يجب النظر إليه في ضوء المصلحة العامة، ويجب أن نفكر بهذه الطريقة، فالمجتمعات الناضجة يجب أن تخرج قراراتها لتراعي مصالح مختلف الأطراف، أو على الأقل إشراكهم في صناعة القرار، فالأمر ليس سراً  ولا يجب أن يكون كذلك!.

خسائر كبيرة تنتظر شركات طباعة وإعداد الكتب الخارجية في كل الأحوال، فبعضها قد باع جزءً من طباعته، والجزء الآخر المتبقي سوف يصيبه البوار بمنطق أنه "تجاوزه الزمن"، بعد تطوير المناهج أو تقليصها أيهما أقرب، بينما الجزء الثاني من هذه الخسارة هو اتجاه بعض هذه الشركات لطباعة نسخ جديدة معدلة من المناهج، بصورة تتواكب مع التحديثات الجديدة، وهذه تكلفة إضافية لم تكن في الحسبان، وتضع هذه المؤسسات على المحك، وقد يتعرض جزء غير محدود منها لشبح الخسائر، ربما الإفلاس.

الجزء الخفي من خسائر شركات طباعة الكتب الخارجية يتحقق في ارتفاع تكلفة فاتورة واردات الورق من الخارج، خاصة أن 60% من الورق الموجود في السوق يتم استيراده من الخارج، وعلى الرغم من أن أرقام واردات الورق مختلفة من مصدر لآخر، إلا أن أقرب هذه الأرقام للصواب هو إحصائيات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، التي تقول إن قطاع الطباعة والتغليف والورق بلغت وارداته نحو 1.558 مليار دولار، حتى نهاية عام 2021، لذلك وبدون معادلات صعبة الفهم فإن طباعة كتب وملازم وأوراق جديدة، ستجعل هذا القطاع يحتاج لعملة صعبة بقيمة معتبرة لتغطية واردات الورق الجديدة، ما يجعل الدولة تتحمل ملايين من الدولارات دون داعٍ.

كل الشركات المحلية التي تخدم أهداف الصناعة، حتى الورش الصغيرة، أو ما يطلقون عليها مصانع بير السلم، ليست إلا صناعات وطنية، تحتاج إلى الدعم والمساندة قولاً واحداً، باعتبار الصناعة قاطرة الاقتصاد المهمة، التي نعول عليها جميعاً في تحقيق استقرار حقيقي للاقتصاد المصري، وزيادة مواردنا من العملات الصعبة، لذلك كان يجب على وزارة التربية والتعليم إبلاغ الشركات العاملة في طباعة الكتب الخارجية قبل الشروع في تطبيق خطة تطوير المناهج، حتى تستعد لهذا الأمر وتتهيأ له فنياً ومالياً، فمن يظن أن شركات الكتب الخارجية هي فقط من يدفع الثمن خصماً من أرباحها أو خروجا من السوق أو ربما الإفلاس لبعضها "خاطئ"، فالمجتمع كاملاً يدفع الثمن بصورة غير مباشرة، لذلك كان مهماً أن نتحاور مع أصحاب المصالح قبل الشروع في أي تطوير، وهذا ليس عيباً أو بدعة..







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة