طموحات روسية، صدمها قرار خارج التوقعات من منغوليا بشأن مشروع خط الغاز المزمع إنشائه بين روسيا والصين، والمعروف باسم قوة سيبيريا2 بطول 2500 كيلو والمقرر أن يمر عبر الأراضى المنغولية، والذي شرعت موسكو في تدشينه في أعقاب الحرب الروسية _ الأوكرانية، كخطوة للالتفاف علي العقوبات الغربية التي تم فرضها برعاية واشنطن، والتي تضمنت حظر علي مبيعات الغاز الروسية.
المشروع الذي كانت تهدف موسكو من خلاله فتح أسواق جديدة للغاز الروسي مع الحليف الصيني، اصطدم الأسبوع الماضى، بقرار من الحكومة المنغولية، بعدم إدراج خط الغاز، ضمن خطة التنمية 2028، وهو القرار الذي جاء بعد حوالى 20 يوما من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن، للبلاد ضمن جولة آسيوية، في زيارة أكد خلالها علي أن منغوليا شريك مهم للولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن البلدين تربطهما قيم الديمقراطية والمصالح المشتركة.
منغوليا تستبعد المشروع من خطتها للتنمية 2028
المشروع الواعد سرعان ما أحاطت به حالة من الغموض ،خاصة بعد أن استبعدت منغوليا، وضع خط أنابيب الغاز من خطتها الوطنية للتنمية لعام 2028، وهو ما أثار العديد من التكهنات حول مصير المشروع الذى من شأنه ربط حقول الغاز الروسية بالصين، وهو أيضا ما دعى البعض للاعتقاد أن المشروع سيتم تأجيله لأجل غير مسمى.
وقالت الحكومة المنغولية إنها "كانت تأمل في أن يكون المشروع، الذى من المتوقع أن تتراوح تكلفته بين 8 و15 مليار دولار، محفزا لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وفرصة لتحسين بنيتها التحتية، وتقديم فوائد اقتصادية محتملة من خلال رسوم العبور وفرص العمل المرتبطة بها"، ومع ذلك، فإن استبعاد المشروع من أجندة التنمية في منغوليا لعام 2028 يشير إلى أن هذه الآمال قد لا تتحقق في أي وقت قريب، وقد يعنى تأجيله لأجل غير مسمى، وفقا لما ذكره موقع "EU Today".
إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أصرت على أن المشروع على درجة عالية من الجاهزية، وعلقت على المعلومات التي تفيد بأن منغوليا لم تدرج خط أنابيب الغاز في خطتها للتنمية الوطنية حتى عام 2028، قائلة إن "المشروع على درجة عالية من الجاهزية، وبدء التنفيذ العملي سيكون ممكنا فور الاتفاق مع الجانب الصيني على الأسعار وحجم إمدادات الغاز وتوقيع الوثائق الملزمة".
وأضافت: "كان الشركاء المنغوليون في البداية يريدون أن يقتصر دورهم على دولة عبور فقط، فإنهم الآن يفكرون في إمكانية استخدام جزء من خط أنابيب الغاز لتطوير اقتصادهم وصناعتهم وبنيتهم التحتية".
منغوليا تعطل مشروع خط الغاز.. هل بلينكن السبب؟
وأثار قرار الحكومة المنغولية الائتلافية والذى صدر الأسبوع الماضى، بعدم إدراج خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا 2" ضمن خطط الإنفاق الخاصة بها خلال الأربع السنوات المقبلة، تساؤلات عن الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربى خلف الكواليس، خاصة أن القرار جاء بعد أقل من شهر لزيارة بلينكن للبلاد.
إذ استقبلت منغوليا، عدة زيارات أبرزها أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي مطلع الشهر الجارى، وزيارة ايمانويل ماكرون مايو 2023، كأول رئيس فرنسى يزور البلاد، وهو ما يثير العديد من التساؤلات عما إذ كانت هذه الزيارات سبب في تعثر المفاوضات، وتجاهل منغوليا لمشروع خط الغاز.
وخلال الفترة الماضية تبدى الولايات المتحدة الأمريكية، اهتماما زائدا بمنغوليا، إذ أجرى بلينكن مطلع الشهر الجارى، محادثات مع وزيرة الخارجية المنغولية باتمونخ باتسيتسيغ التي كانت في واشنطن الأسبوع السابق للقائهم الأخير، وإطلاق هذا الحوار الاستراتيجي.
وأكد بلينكن خلال زيارته الأخيرة، أن منغوليا شريك مهم للولايات المتحدة، وقال :"الولايات المتحدة ومنغوليا تربطهما قيم ديمقراطية مشتركة، ومصالح مشتركة".
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، التزامها بسياسة "الجار الثالث" تجاه منغوليا، وهدف سياسة "الجار الثالث" التي تنتهجها منغوليا إلى تعزيز علاقاتها مع دول أخرى غير روسيا والصين واللاتي تحيطانها بالكامل، وخاصة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، واليابان وكوريا الجنوبية وهي دول في منافسة جيوسياسية مع روسيا والصين.
سيبيريا الغنية بالطاقة تلبى احتياجات الصين
وفى حال إنهاء الاتفاق، فمن المفترض أن يعمل خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" كحلقة وصل مهمة بين روسيا والصين، ويبلغ طول خط الأنابيب 2500 كيلومتر، وقد صُمم لتصدير 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا من المناطق السيبيرية الغنية بالغاز في روسيا لتلبية احتياجات الصين من الطاقة، وكان سيحقق مكسب ضخم لروسيا، خاصة بعد الانخفاض الحاد في إمدادات الغاز إلى أوروبا وسط حرب روسيا في أوكرانيا."قوة سيبيريا 2" والاقتصاد الروسى
ودفعت الحرب الروسية الأوكرانية، الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لزيادة الاعتماد على الزعيم الصيني شى جين بينج، لدعم اقتصاد موسكو، مع استمرار العقوبات الأوروبية المتزايدة، لذلك يستهدف خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا 2"، ربط السوق الصينية بحقول الغاز في غرب روسيا التي كانت تزود أوروبا ذات يوم، وفقا لسكاي نيوز عربية.
وتأثر الاقتصاد الروسى، بعد انخفاض مبيعات الغاز لأوروبا على خلفية الحرب على أوكرانيا، إذ تكبدت شركة "غازبروم" الروسية، خسارة ضخمة قدرها 629 مليار روبية "6.9 مليار دولار" في العام الماضى فقط، وهي الخسارة الأكبر منذ 25 عاماً على الأقل، بينما نجحت أوروبا فى تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن الطاقة الروسية.
والشراكة بين الصين وروسيا في مجال الطاقة موجودة بالفعل، إذ أن الصين تستقبل الغاز من شرق روسيا عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا 1" والذى دخل في طور التشغيل عام 2019، ونقل ما يقرب من 23 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضى، وتبلغ طاقته الكاملة 38 مليار متر مكعب، والمتوقع تحقيقها عام 2025، إلا أن "قوة سيبيريا 2"، سيضيف 50 مليار متر مكعب إضافية من الغاز إلى الصين من الحقول في شبه جزيرة يامال في غرب سيبيريا، وفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط.
وكشفت دراسة نشرتها مجموعة CGEP في كولومبيا، مايو الماضي، أن طلب الصين على الغاز المستورد من المتوقع أن يصل لحوالي 250 مليار متر مكعب بحلول العام 2030، ارتفاعاً من أقل من 170 مليار متر مكعب في عام 2023.
وذكرت تلك الدراسة أنه لا يزال من الممكن تلبية مستوى الطلب للعام 2030 إلى حد كبير أو كليًا من خلال العقود الحالية لإمدادات خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال، إلا أنه وبحلول العام 2040، ستصل الفجوة بين الطلب على الواردات في الصين والالتزامات الحالية إلى 150 مليار متر مكعب، وفقا لموقع سكاى نيوز عربية.
وتحتاج روسيا لخط الأنابيب "قوة سيبيريا 2"، حتى يمكنها تصدير غازها للصين، خاصة بعد انخفاض صادرات غازبروم إلى أوروبا إلى 22 مليار متر مكعب في العام 2023 من متوسط 230 مليار متر مكعب سنويا في العقد الذي سبق الحرب في أوكرانيا، وهو ما كبد روسيا خسائر ضخمة.