الثقافة والفن وجهان لعملة واحدة، فهما يسعان للوصول إلى الكمال وعلى تحقيق الاجتهاد فيما بينهما، فمنذ زمن طويل دائمًا ما نرى اجتماعات أهل الثقافة مع أهل الفن، كانوا يبحثون معًا ويتشاركون في الآراء التي تخدم المجتمع لإعطاء أفكار إيجابية وإنارة العقول، لذا ليس بغريب أن يقوم الفنانون والمثقفون بأدوار الصحفين ويقومون بتوجيه أسئلة للمثقفون عن أفكارهم واعتقادتهم، ففي خلال السطور التالية سوف نقدم حوارات الفنانين مع كبار المثقفين أيام الزمن الجميل..
عباس العقاد وهند رستم
نشرت مجلة آخر ساعة يوم 18 ديسمبر عام 1984، حوارًا بين الكاتب الكبير عباس العقاد وأيقونة الإغراء هند رستم، التى اختارها المفكر والأديب من بين الفنانة ماجدة والفنانة فاتن حمام، وبدأ حديثهما.
عباس العقاد: تعرفى يا أستاذة هند إنك نجمي المفضّل؟
- "ياه للدرجة دي"؟
العقاد: وأكثر.. فقد اكتشفت الآن أن الحقيقة أروع من الخيال فأنا أهنئك بالموهبة الطبيعية والوجه المعبر، فأنت في رأيي لست ملكة الإغراء، ولكنك ملكة التعبير؛ لأن الإغراء عملية حسية، عملية رخيصة، لكن التعبير عملية نفسية تخاطب العقل، والوجه المعبر في رأيي أهم من الوجه الجميل.
وعندما رأيتك لأول مرة في فيلم (شفيقة القبطية) ذكرتيني بأول مرة رأيت فيها انجريد برجمان، كان عمرها 22 سنة، وكانت صريحة وطبيعية مع انفعالاتها، ولذا في رأيي أقرب إنسانة إلى سارة، ولذا أنا أرشحك لتمثيل هذا الدور
هند رستم: واضح إن الأستاذ بيحب المرأة جدًّا.
-جدًا.. ومين قال إني عدو المرأة؟ ده كلام فارغ أنا بحب المرأة الطبيعية، لكن المرأة اللي نسخة تانية من الرجل، أعمل بيها إيه.
هند رستم: فيه حاجة شاغلة بالى الأيام دي، أنا عايزة أزور بيت الله، فهل حرام أن الفنان يزور بيت الله ويرجع يشتغل في السينما؟
-أبدًا.. لا حرام ولا حاجة.. الفن غير محرّم مطلقًا، لكن الخلاعة مُحرمة، لا تستمعي لكلام أي واحد يشكك في هذه المسألة.
هند رستم: أنا مؤمنة بالله، لكن الحاجة الوحيدة اللى بخاف منها الموت، ليه؟
-أنا شخصيًّا لا أخاف الموت، ولو شرف في أي وقت أقول له اتفضل، ويمكن الشيء الوحيد اللي بخاف منه هو المرض.
هند رستم: يمكن لأنك ما اتجوزتش قبل كدة ومعندكش أولاد؟
- لا
هند رستم: أنت قلت مرة أنك خايف من الجواز؛ لأنك خايف تترك أولاد يتامى من بعدك.. وأنا عندي بنت وخايفة عليها.
- مش ده السبب، دي علة، حتعللي بيها دايمًا رغبتك في الحياة.. وأنا أذكر إن جدتي عاشت إلى أن تجاوزت المائة.. وكانت متعلقة في هذه السن بالحياة من أجل حفيدتها بدور.
هند رستم: هل مارلين مونرو مُغرية أم معبرة؟
-مارلين مونرو كانت هي الإغراء، لأنها أنثى ناقصة تكوين، وأمها مجنونة، ولذا فكل الذي كانت تفعله عبارة عن تعويض لشعورها بنقص الأنوثة، مارلين عبارة عن امرأة عايزة وسائل تجلب بها الأنظار، وعايزة تثبت أنوثتها بأى طريقة.. لدرجة أنها في سبيل أن تكون أنثى رضيت برجل يهودي وغيرت دينها وتزوجته، وأنا رأيت لها صورًا كثيرة، وفي الواقع إنها مبالغة جدًا في حركاتها، ولو كانت واثقة من أنوثتها لكان ربع هذا المجهود في الإغراء يكفي.
هند رستم وعباس العقاد
مصطفى محمود وسعاد حسنى
نشرت مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، عام 1965، حوارًا بين الدكتور مصطفى محمود وسندريلا الشاشة المصرية سعاد حسنى، وبدأ حديثهما كالآتى:
مصطفى محمود: سنك كام سنة؟
- عمرى 22 سنة.
مصطفى محمود: بعد عشر سنين سوف تقولي 22 سنة بس؟
- سوف أقول لك 25 سنة بس.
مصطفى محمود: لو عرفتِ أن القيامة ستقوم بعد 24 ساعة تعملي إيه؟
- دي حاجة تحير، لكن متهيأ لي أكتب فلوسي أولاً لماما وأخواتي، لكن صحيح كل الناس ها تموت.. يعنى مفيش فايدة.. مش ها يلحقوا يصرفوا الفلوس، لذلك أقولك أصلي فورًا.
مصطفى محمود: افرضى أنهم قالوا لك لا بد أن تتحولي إلى حيوان مفترس تختارى إيه؟
- اختار ابقى طاووس.
مصطفى محمود: افرضى قالوا لك القتل مباح وحلال، تفتكري تقتلي مين؟ وإيه الشيء اللي لو عمله الراجل ضدك تقتليه؟
- لو خدعني.. لكن برضه حرام أنا مش ممكن أقتل حد مهما حصل.
مصطفى محمود: هل ممكن يجيء يوم نضحي بالفن عشان راجل؟
-لأ مش ها يحصل.
مصطفى محمود: يعنى مش ها تتجوزي؟
- ليه لأ، مش يمكن أقابل شاب طيب اللى يرضى يخليني أمثل، وإن قال لأ، يبقى يفتح الله مش هاتجوز.
سعاد حسنى: إيه المستحيل في حياتك؟
قال: المستحيل في حياتي وحياة كل الناس هو بلوغ المنى وتحقيق المثاليات، والواحد دايما يحقق حاجات ويعجز عن حاجات، والاستحالة الثانية أن الإنسان يهرب من نفسه ومن حقيقته، ويمكن ده اللي قصدت أقوله في قصة المستحيل.
سعاد حسنى: ما هي مشكلة الفيلم المصري؟
قال: مشكلته الوحيدة هي السيناريو حيث توجد كفاءات في الإخراج والتمثيل والتصوير، ما عدا السيناريو لأنه فن جديد، وفى حاجة إلى خبرة ومران، والموجود منه مجرد اجتهادات.
سعاد حسنى: ماذا يعجبك في المرأة عمومًا، والمرأة المصرية خاصة؟
- الأنوثة عندي مش مقاسات صدر وأرداف ووسط، أبدا.. الأنوثة صفات وحاجات نفسية، هي الأمومة والرحمة والحنان، وهذه هي التي تبني البيوت.. أما المصرية فعقليتها محدودة، ودائما تفكر في حدود أولادها ومعاشها وأكلها ومصالحها الاقتصادية، والسبب أنها قعدت أجيال طويلة محبوسة في البيت.
سعاد حسنى: ما هو تقيمك لـِ كفنانة؟
-أنتِ وجهك يعطي إحساس بالبراءة والطفولة والمرح، وده اللي شد المخرجين إليك وحبسوك، بل سجنوك، في دور بنت 16، المرحة والأدوار الخفيفة، وده ظلم كبير لك.
سعاد حسنى: تعتقد هل الإنسان مخير أم مسير؟
- الإنسان حر في حدود حريته، محدود بحريات الآخرين وظروف المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، لكنه دايما عنده قدرة على التعبير، والإنسان بيموت صحيح لكنه بين ميلاده وموته بيصنع الحضارة.
سعاد حسنى: ماهو العالم الذي تريد أن تعيش فيه؟
- عالم يخلو من الكراهية.
مصطفى محمود وسعاد حسنى
يوسف إدريس وفاتن حمامة
من خلال البرنامج الإذاعى "الميكروفون مع.." الذى بث في مايو عام 1868، أجرى يوسف إدريس حواراً مع فاتن حمامة فإلى نص الحوار:
يوسف إدريس: في البداية هل هناك مقومات لنجاح الفنان غير الموهبة؟
- هناك أشياء كثيرة الى جانب الموهبة، منها المدة التي اشتغل بها الفنان فأنه كلما طالت المدة عاش الفنان في وجدان الناس لأنها تراه بانتظام وتشعر أنه يعيش معها، الشيء الثانى هو القبول أي أن الناس تقبلهم مباشرة وده شيء آلهى بغض النظر عن الشكل والسن، مما يعطى الفنان القوة، إلا أن الشرط هنا أن يجيد الفنان استعمال هذه القوة، فالفنان الذكى هو الذى يعرف كيف يقدم نفسه بشكل سليم ومقبول.
يوسف أدريس: كيف يضيع الفنان ما بناه؟
-يضيعه بكلمة وحشة في مجلة أو تصريح مغرور في وسيلة إعلامية، فمثلا ممكن تكون مطربة ناجحة فنيا لكنها تلبس ملابس غير لائقة أو تصبغ شعرها أحمر أو أصفر لا يتناسب معها.. على طول يفقد الجمهور الإحساس بجمال صوتها لأن الجمهور يربط بين الإنسان وشخصيته وعمله الفني، أيضا الغرور والتعالى يفقدان الفنان الكثير وهنا يقع الفنان الذى ينجح فجأة فيختل توازنه ويتعالى على فنه ويسقط سريعا.
يوسف إدريس: بعد رحلة فنية طويلة هل يجب ان تأخذ فاتن حمامة وقتا في الموافقة على أعمالها؟
بعد كل هذه السنوات أصبح عندى ثقة بالنفس، لكن اتضح لى أننى في كل عمل فنى جديد أبدا في تصويره أشعر بالقلق والخوف وكأننى ما زلت في بداية حياتى الفنية وأرى العمل وحش مهما اجتهدت فيه كارهة للعمل لدرجة أننى ممكن أستخبى في أى مكان بعيد عن بلاتوه التصوير.
يوسف إدريس: رأيك في ارتباط فكرة الفنان بالجنون وكأن كلمة فنان أصبحت بديلة للجنون؟
- الفنان في رأيى إنسان حساس ومرهف الحس جدا وأحيانا تكون هذه الحساسية زيادة شوية فتجعله مختلف عن باقى الناس، لهذا يقال بسخرية ده فنان، لكن الفنان في النهاية شيء جميل ورائع.
يوسف أدريس: سر هدوء فاتن وصمتها؟
أحب الإنصات ومراقبة الناس جدا، فالإنصات للناس يعلمنى ويفيدنى في شغلى جدا، وأحيانا عندما يُعرض على عمل جديد تقفز شخصية ما في ذهنى قابلتها في مكان ما ونسيتها تماما، هنا أستحضرها وأسترجع بذاكرتى أدق تفاصيل حركتها أثناء الكلام والمشى وطريقة نطق الكلام.
يوسف أدريس: لمن تعطي فاتن حمامة أذنها؟
- استمتع جدا بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيك ولمطربينا الكبار، الست أم كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفيروز ووردة وشادية.
يوسف أدريس: ما اقرب الأعمال إلى قلبك؟
- بصراحة أصعب الأعمال وأقربها إلى قلبى فيلم "دعاء الكروان"، لأن دكتور طه حسين كتب نصا مليئا بالوصف، فأحيانا يصف مشهدا في ثلاث صفحات وكل كلمة في هذه الصفحات لها أهميتها وضرورتها، أيضا الحوار في الجزء الثاني من الفيلم بين البطل والبطلة والتربص فيه كان من أصعب الحوارات، ولكي نصنع من نص كهذا عملا سينمائيا فذلك ليس سهلا، لكن الحقيقة أن المخرج هنرى بركات والسيناريست الكبير يوسف جوهر قدما عملا رائعا، إن العمل الثاني بالنسبة لها هو قصتك، رواية الحرام، فالرواية صعبة ومليئة بالخشونة وتصطدم بالواقع الاجتماعي، وتتحدث لأول مرة في السينما عن فئة وطبقة لم تقدمها من قبل، وهى فئة عمال التراحيل.
يوسف أدريس: ما هي أولوياتك في قراءة الصحف؟
- أقرأ عناوين الصفحات الأولى، ولكني أواظب على قراءة الأعمدة والمقالات الصحفية لمصطفى أمين وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس.