البعض يتصور أن شركات التأمين على الحياة وصناديق التكافل، تلقي على من يشتركون فيها الذهب والفضة، وتمنحهم عطايا ومزايا ومبالغ مالية دون حساب وبلا مقابل، ويتأثر أغلبهم بفكرة المبلغ المنتظر في آخر المدة، مقارنة بما يدفعه شهرياً، هكذا يتم تصدير الفكرة دون توضيح أبعادها أو الوقوف على المصروفات والنفقات التي تترتب عليها، وما يتحمله العميل أو المشترك والمزايا أو الخسائر التي ربما يجنيها في نهاية الرحلة.
صناديق التأمين التكافلي ليست إلا أدوات ادخارية، مثل شهادات الاستثمار في البنوك، والأوعية المختلفة التي يضع فيها الناس أموالهم، لكن الاختلاف الجوهري أنها طويلة الأجل، ولها مصروفات دورية، نسبتها تكون مرتفعة في السنوات الأولي، وقد تصل في بعض الصناديق وشركات التأمين إلى ربع المبلغ المدفوع تقريباً.
الميزة الأساسية لصناديق التأمين التكافلي وشركات التأمين، أنها تمنحك مزايا خاصة حال العجز أو الوفاة، فتصرف إجمالي قيمة الوثيقة حال الوفاة، أو نصفها تقريبا حال العجز، حسب طبيعة الإعاقة أو المشكلة الصحية التي تعاني منها، وعلى الرغم من أن هذه الحالة استثنائية جداً وخاصة، لكن أغلب شركات التأمين تسوق منتجاتها اعتماداً عليها.
كل شخص يضع أمواله في صناديق تأمين من خلال شركات أو نقابات، عليه أن يعرف جيداً أن قيمة ما يحصل عليه في ختام الوثيقة حال التقاعد أو المعاش يتوقف على حجم ما يدفعه من مبالغ وأقساط شهرية أو سنوية، فمن يدفع قسط شهري ألف جنيه، سوف يحصل على مبالغ أكبر من الشخص الذي يدفع 500 جنيه، فالموضوع يخضع لحسابات اكتوارية معقدة، ونسب وإحصائيات، فلن تحصل على مبالغ أكثر من المدفوع فعلياً، مضافاً إليها أرباح السنوات الطويلة "مدة الاشتراك".
قد يسأل البعض هل التأمين على الحياة أو صناديق التأمين فكرة سيئة ؟ الحقيقة هي فكرة جيدة جداً ولكن.. وثائق التأمين أكثر الأدوات الادخارية التي تتأثر سلباً بالتضخم، فكلما ارتفعت معدلات التضخم كلما أصبحت وثائق التأمين بلا جدوى، وما تم دفعه من أموال كانت قيمتها في بداية الوثيقة 5 سوف تكتشف أنها حال الاستحقاق أو الوصول لسن التقاعد أو انتهاء مدة الوثيقة تساوي 2 فقط، على سبيل المثال لو أن وثيقة تأمين مدتها 10 سنوات بدأت من عام 2014 وتنتهي في شهر أكتوبر من العام الجاري 2024، وكنت تدفع لها سنويا 12 ألف جنيه، ستكتشف أن الـ 12 ألف المدفوعة – في عام واحد – كانت تساوي تقريباً 100 ألف جنيه، حال مقارنة سعر صرف الجنيه مع باقي العملات الأجنبية الأخرى، وقدرته الشرائية خلال التوقيع على الوثيقة – منذ 10 سنوات - بالمقارنة مع الوقت الراهن.
من المثال السابق يتضح أن حجم النقد الفعلي الذي يحصل عليه صاحب وثيقة التأمين تضاعف أكثر من 10 مرات، لكن في الوقت نفسه، قيمته الشرائية أو الحقيقية تعادل المدفوع في عام واحد فقط، وهذا يؤكد أن معدل الخسارة الحقيقي قد يتجاوز 900%، وهذا ليس عيباً في وثائق التأمين، لكنه نتيجة التأثيرات المتوالية لتخفيض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم بصورة أسرع من معدلات الفائدة على وثيقة التأمين، لذلك يجب أن ندرك أن صناديق التكافل وشركات التأمين، لن تمطر على أصحابها ذهباً وفضة كما يتصور البعض، بل هي أقرب إلى وضع أموالك في حجرة مملوءة بالفئران.
أحياناً تلجأ صناديق التأمين التكافلي لزيادة المدفوع شهرياً لمواجهة التضخم، حتى ترفع قيمة المبالغ التي يحصل عليها المستفيد آخر المدة، كما حدث في صندوق التكافل الخاص بنقابة الصحفيين مؤخراً، لكن قامت الدنيا ولم تقعد، حتى وصل الأمر في النهاية إلى إرجاء القرار، تحت ضغوط من المستفيدين الذين رفضوا دفع شرائح الزيادة المقررة، التي ستنعكس قطعاً على حجم المستحق في نهاية المدة، وهنا أعيد التأكيد مرة أخرى أن الموضوع ليس أكثر من عملية حسابية إحصائية، كلما دفعت أكثر، سوف تحصل في النهاية على مبالغ أكثر، بعيداً عن القيمة الفعلية للنقود في وقت الصرف، وهذه حقيقة يجب أن يعرفها المشتركون في صندوق التكافل بنقابة الصحفيين، وغيرها من صناديق التكافل.
نصيحتي الخاصة لكل من يلجأ إلى صناديق التكافل أو شركات التأمين بمختلف تخصصاتها ومسمياتها أن يتخلى عن البرامج طويلة الأجل، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، والضغوط الكبيرة التي تحاصر العملة المحلية، لذلك أتصور أن هذا النوع من الادخار ليس مثالياً في الوقت الراهن، وسيجعلك في النهاية تدفع أموال غالية الثمن، لتحصل على أموال زهيدة الثمن!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة