أذهلني ما شاهدته منذ عدة أيام في ڤيديو منشور لأحد المحامين ، الذي بدا متقدما في السن يجلس في مكتب فخم يزينه العلم المصري عن يمينه وعن يساره ، بدأه بعبارات غريبة يقول فيها : إذا أردت الزواج على زوجتك زواج رسمي ولا يُسجل لدى مأذون ، وفي نفس الوقت معترف به أمام جميع الجهات الرسمية ، ولا يظهر في القيد العائلي أو على الحاسب الآلي لمصلحة الأحوال المدنية ، ثم أخذ يسرد الخطوات التي يجب أن يتبعها الزوج للتحايل على القانون ، الذي يلزم المأذون أن يعلن زوجته الأولى وإلا يقع تحت طائلته .
لا أعلم إن كان السيد المحامي قد أدرك أنه حين يقدم نصيحته هذه فهو يقوم بظلم بيّن على الزوجة الأولى وأبنائها حين تفاجأ بزوجة ثانية تقاسمها زوجها واسمه وميراثه دون علمها، وهو ما كان سببا أساسياً دفع المشرع أن يلزم المأذون بإعلان الزوجة الأولى بقيام زوجها بالزواج من ثانية ، وألزم الزوج بتسجيل بياناته صحيحة وإلا يتعرض للحبس مدة ستة أشهر أو غرامة مائتي جنيه ، حتى لا يتكرر ما وقع من مآس كثيرة شهدناها كثيرا في مجتمعنا .
أما المثال الثاني فهو لمحام آخر كان يفند قضية ضبط أحد المطربين الشعبيين الذي تم القبض عليه منذ عدة أسابيع ، بتهمة القتل الخطأ والقيادة تحت تأثير المخدر ، بعد أن ثبت من تحليل الدم تعاطيه مواد مخدره ، وحينها ظهر أيضا أحد المحامين ليعرض خدماته ويقول أن المطرب الشعبي قد أخطأ لأنه قدم نفسه للجهات الأمنية فوروقوع الحادث ولم يفر من موقع الحادث ، فكان عليه الهروب فوراً حتى ينتهي تأثير المخدر في دمائه ثم يقدم نفسه للعدالة ، ثم يتصالح مع أسرة المتوفي وهكذا يتمكن من الحصول على حريته بكل بساطة .
هاذان مثالان بسيطان عما يجري بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي مع بعض المحامين الذين يسعون إلى الشهرة والمال حتى لو كان على حساب القانون وقيم المجتمع وحقوقه الدستورية ، وحتى لو تسببت نصائحهم في الإضرار بمواطنين أبرياء ، وهي ظاهرة مرعبة أن يتحول رجال العدالة الواقفة إلى هذا المستوى المتدني من الجهر بالإلتفاف على القانون ونشره بين الناس ، حتى يفعلون ما يريدون في تحد سافر لكل القيم الأخلاقية والاجتماعية والقانونية.
كما إنني لا أعرف ما هو تحديداً موقف نقابة المحامين المحترمة مما يجري من بعض أعضائها، وهل تغيرت كغيرها من النقابات ليكون كل دورها محصورا في الاشتراكات والرحلات والمواد الغذائية ، أم أنها لا تزال تحافظ على هيبة وقيمة ووقار الأعضاء أصحاب التاريخ المجيد في المواقف الوطنية فيما مضى فكيف هو الحال الآن حين يخرج بعض من أعضائها يعلَّمون الناس على الملأ كيف تتحايلون على القانون ؟
ثم ما هو موقف القانون نفسه من هذه النماذج التي استمرأت انتهاكه في مقابل جمع المال أو جذب زبائن جدد أو حتى الشهرة ؟ رحم الله أساتذة كبار وقفوا في ساحات العدالة ، وكانوا في نزاهتهم وبلاغتهم ومواقفهم وهيبتهم لا يقلون قيمة وقدرا وعلما عمن جلسوا على منصات القضاء وأصدروا الأحكام .
أعتقد انه لابد من سد الثغرات في قانون الأحوال الشخصية الجديد ، الذي انتهت اللجنة القضائية من صياغته منذ أكثر من عام ، وأرسلته إلى مجلس الوزراء في يوليو ٢٠٢٣ ، والذي نتمنى أن يكون قد عالج كل هذه المسائل ، ومن ناحية أخرى أن تعاقب نقابة المحامين كل من يجهربالتحريض على التحايل على القانون بعقوبات رادعة توقف تلك الظاهرة التي يمكن أن تحيل مجتمعنا إلى نموذج صارخ للالتفاف والتحايل على القانون ، الذي يمثل أرقى القيم الإنسانية والأخلاقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة