فى ظل تحولات دولية وإقليمية كبيرة، والتى تفرض تحديات على دول العالم، والصراعات والأزمات التى تشهدها المنطقة والعالم، ومنها قضايا مفصلية وتحديات تمثلها الصراعات وأخطرها الحرب على غزة، وما تشهده القضية الفلسطينية من مخططات للتهجير أو التصفية مع خطر اتساع الصراع بشكل يهدد السلم الإقليمى والدولى، خاصة مع اتجاه نتنياهو إلى فتح جبهة عدوانه على الضفة الغربية والضغط باتجاه فتح جبهات مع إيران.
وبجانب خطر الحرب فى غزة، تتسع دوائر التهديدات المختلفة، فلم تستقر الأحوال تماما فى الغرب بليبيا واليمن وسوريا، بينما تشتعل الحرب فى السودان، هذه التحولات تضع مصر فى بؤرة نقاط مشتعلة وتحديات كبيرة تفرض على الدولة التحرك بأكبر قدر من الدقة والتنسيق والتعاون مع كل الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا، التى تمتلك مفاتيح وتقاطعات النفوذ، تحرص مصر على توسيع دوائر الشراكة والتعاون وخفض التدخلات ودعم المسارات السياسية، باعتبارها طريقا إلى استقرار يوسع القدرة على التعامل مع التحديات.
وسط كل هذا تأتى زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا خلال هذا الشهر، وهى أول زيارة للرئيس إلى أنقرة، وتعد تتويجا لجهود تمت على مدى السنوات الماضية، وتستهدف بحث التعاون المشترك وتفعيل المجلس الاستراتيجى بين البلدين، فضلا عن مناقشة موقف البلدين من الصراعات والأزمات الإقليمية، وتوسيع التبادل التجارى والاستثمارى بين البلدين.
ومن المقرر أن يترأس الرئيسان السيسى وأروغان اجتماعا لمجلس التعاون الاستراتيجى الذى تم تدشينه بين تركيا ومصر خلال زيارة الرئيس التركى للقاهرة فى فبراير الماضى، ويمثل نقلة فى مسار التعاون الثنائى، للمصلحة المشتركة، ويعزز التنسيق والتشاور بين الدولتين بهدف تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة.
زيارة الرئيس السيسى لتركيا رد على زيارة الرئيس أردوغان لمصر، فى فبراير الماضى، وتتضمن بالطبع مناقشة الكثير من الملفات الإقليمية والدولية وأيضا تنمية العلاقات الثنائية وتنشيط آليات التعاون الثنائى رفيعة المستوى، بالإضافة إلى مناقشة القضايا العالمية والإقليمية الراهنة.
ومن أبرز هذه الملفات الحرب الإسرائيلية على غزة، التى تمثل اهتماما وارتباطا مشتركا، فمصر إحدى الدول المحورية إقليميا، بجانب كونها ذات ارتباط تاريخى بالقضية الفلسطينية وتقوم بدور فاعل فى دعم الفلسطينيين والسعى لوقف الحرب واستكمال مسيرة السلام وحل الدولتين، كما أن تركيا معنية بالقضية الفلسطينية ولها علاقات مع أطرافها، وبالتالى فإن هدف القاهرة وأنقرة هو وقف العدوان بأسرع وقت وإنفاذ المساعدات إلى غزة والتصدى لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية.
ومن الملفات المهمة يأتى الملف الليبى الذى يمثل أهمية كبرى لمصر، وتدفع القاهرة منذ سنوات إلى إبعاد التدخلات الخارجية ودعم المسارات السياسية بما يقود إلى استقرار سياسى واقتصادى يمكن الليبيين من إدارة شؤونهم وثرواتهم، وهو ما يمثل أولوية لمصر، وبالتالى فإن ملف الاستقرار فى ليبيا والمسارات السياسية ملف مهم للبلدين باتجاه دفع المسارات السياسية فى ليبيا وصولا إلى الاستقرار.
الزيارة تأتى فى توقيت مهم ودقيق، من ناحية انعكاسات التحولات الدولية على الاقتصاد فى دول العالم ومنها تأثيراتها على الدول ذات الاقتصادات الناشئة ومنها مصر وتركيا، لأن ملف الاقتصاد يفرض نفسه على العلاقات بين البلدين ومباحثات الرئيسين السيسى وأروغان، سعيا لتعميق التعاون المصرى - التركى، ومضاعفة التبادل التجارى، خاصة أن معدلات التجارة البينية بين مصر وتركيا خلال عام 2023 وصلت إلى مستويات مرتفعة خاصة بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، وبلغ حجم التبادل التجارى نحو عشرة مليارات دولار، ويستهدف البلدان مضاعفة التجارة الثنائية إلى 20 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة مع بحث إمكانية استخدام العملات المحلية فى التجارة الثنائية فى الفترة المقبلة، لخفض الطلب على الدولار فى البلدين.
وهناك اتجاه للتعاون الصناعى بين مصر وتركيا، وحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية فإن الغرفة التجارية الصناعية فى مدينة بورصا التركية تسعى لإنشاء منطقة صناعية فى مصر على غرار المنطقة الصناعية القائمة فى بورصا والمتخصصة فى مجالات المنسوجات والسيارات والألومنيوم والآلات والمعدات والتكنولوجيات المتقدمة، ويمكن أن تدعم التصدير من مصر لأسواق أوروبا والولايات المتحدة وشمال أفريقيا، وقد أعلنت شركات تركية كبرى استعدادها لضخ استثمارات فى قطاع المنسوجات والملابس الذى يشهد المزيد من التعاون بين مصر وتركيا، فى ظل وجود اتفاق تجارى بين البلدين يسهل من عمليات التبادل فى المنتجات والمواد الخام، خاصة أن تركيا تمتلك الجودة العالية والتكنولوجيا المتقدمة فى هذا القطاع، فى حين تتمتع مصر بمصادر الطاقة المتعددة والخدمات المختلفة اللازمة لتشغيل المصانع، فضلا عن التطورات اللوجستية وما شهدته البنية الأساسية خلال السنوات العشر الماضية فى عهد الرئيس السيسى، والتى تضمنت تطويرا للبنية التحتية للموانئ والطرق والسكك الحديدية مما يشجع الشركات التركية على ضخ استثمارات جديدة.
ولا تخلو العلاقات المصرية التركية من أبعاد باتجاه التعاون الثقافى والفنى والأدبى، حيث تعد تركيا سوقا ضخما للأعمال الفنية والأدبية المصرية مع زيادة حركة الترجمة الأدبية والفنية من اللغة العربية إلى التركية.
كل هذا يجعل الزيارة مهمة، وتصب فى إطار تنمية العلاقات المصرية بكل الاتجاهات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة