رغم الحروب وضحاياها وتعدد بؤر الصراع وأزماتها هناك شىء لا يقل خطورة عن ما يجرى من دمار وخراب وقتل، وهو تخاذل وتقاعس المجتمع الدولى وعجزه عن القيام بدوره تجاه العنف والوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وتجاه منطقة برمتها التى باتت تشهد بؤر صراع متعددة، والمؤسف أنه يترك الغرب الأوروبي والولايات المتحدة يتعاملون مع هذه الصراعات من مبدأ الاستثمار والاستفادة منها لصالحهم، ما يعنى أنه لا نهاية لهذه الصراعات ولا نهاية لهذه الوحشية ولا القتل ولا القصف ويعنى مزيدا من الضحايا والدمار..
وحتى ولو غضضنا الطرف عن أحداث غزة الدامية، فإننا نجد الأوضاع في اليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق، والسودان لا تتحسن رغم الحديث المتكرر عن المبعوثين الأمميين اللذين أوفدتهما الأمم المتحدة لحل المشاكل وإنهاء الصراعات منذ ثورات الربيع العربي، إلا أنها لم تُحل حتى الآن، وكأن وظيفة هؤلاء المبعوثين هو إبقاء الأوضاع كما هي وعدم تقديم حلول مؤثرة.
وهذا لا يعنى إلا معنى واحد، إن منطقتنا أمام قوى استعمارية جديدة بثوب جديد، وما يؤكد هذا هو التخاذل وتعزيز الصراعات، وأيضا الخطابات الإعلامية والدبلوماسية لقيادات الغرب، فمثلا الخطاب الأمريكي للرئيس المرتقب ترامب، والذي هدد فيه الشرق الأوسط و توعده بالجحيم المنتظر إذا لم يتم الإفراج عن أسرى إسرائيل، حيث يسوده نبرة الحاكم المهيمن على كل الأمور في الشرق والغرب، غير الخطابات التى لا تحمل إلا ازدواجية وتضليل حيث تتبنى الحلول السياسية لكنها من ناحية أخرى تدعم بالسلاح..
وهناك خطر آخر، يجب أن يتم وضعه عين الاعتبار، وهو اختفاء مصطلح "الدول العربية " من الخطاب الغربى والأمريكى، واستبداله بمصطلح "الشرق الأوسط الجديد"، ما يؤكد أيضا المخططات الاستعمارية التى لا تسعى إلا إلى التقسيم حتى ولو تم إشعال الأزمات والصراعات لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية وسياسية.
وأخيرا.. من المؤسف استمرار الانقسامات بين الدول العربية التى بها صراعات وأزمات، لأن ببساطة استمرار الانقسام وعدم العودة إلى الدولة الوطنية، يعنى منح المجتمع الدولي ذريعة للتنصل من واجباته في تحقيق العدالة وتنفيذ القانون الدولي حيال الحروب والقضايا المطروحة، ويعنى مزيدا من الانقسام والخلاف وفى النهاية ضياع الأوطان ونجاح المخططات..