نزل القرآن الكريم على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أكثر من 1400 عام، هدى للناس وبيانات من الفرقان، فكان لسماعه فعل السحر، من عذوبة الكلمات ومعانيها التى أسرت قلوب المؤمنين، فكل آية من آيات الذكر الحكيم تحمل تعبيرات جمالية وصورا بلاغية رائعة.
وفى القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التى حملت تصويرا بالغا، وتجسيد فنى بليغ، ومفردات لغوية عذبة، تجعلك تستمتع بتلاوة كلمات الله التامات على نبيه، ووحيه الأخير إلى الأمة، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (سورة القصص الآية: 10).
ومن خصائص القرآن الكريم الإيقاع المثير والسرد الرائع، وفى الصورة السابقة، تعبيرا جمالى عن صبر أم النبى موسى، وكيف ألهمها الله الصبر، بعدما صار فؤادها فارغا من كل شيء سوى التفكير في مصيره، لشدة خوفها على ابنها موسى من فرعون وجنده.
القلب لا يسمى فؤاداً إلا إذا توقد بالمشاعر وتحرك بها، فأم موسى كاد قلبها ينفطر وكَادت أن تصرخ من الوجع والألم، كأن قلبها نفسه خرج من موضعه وراء ابنها موسى، وهي لا تدري أن هذا خير لها لولا رحمة الله عليها فربط على قلبها فأحدث لها ضبطا للشعور لتتحكم في تصرفاتها.
وجواب الشرط في قوله- تعالى-: لولا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها محذوف دل عليه ما قبله، أى: لولا أن ربطنا على قلبها بقدرتنا وإرادتنا، بأن ثبتناه وقويناه، لأظهرت للناس أن الذي التقطه آل فرعون هو ابنها، وأصل الربط: الشد والتقوية للشيء، ومنه قولهم فلان رابط الجأش، أى: قوى القلب.
وبحسب تفسير القرطبى: ابن القاسم عن مالك: هو ذهاب العقل، والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش، ونحوه قوله تعالى: وأفئدتهم هواء أي جوف لا عقول لها كما تقدم في سورة (إبراهيم) وذلك أن القلوب مراكز العقول، ألا ترى إلى قوله تعالى: فتكون لهم قلوب يعقلون بها ويدل عليه قراءة من قرأ: (فزعا) النحاس: أصح هذه الأقوال الأول، والذين قالوه أعلم بكتاب الله عز وجل، فإذا كان فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي، وقول أبي عبيدة: فارغا من الغم، غلط قبيح، لأن بعده إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كادت تقول: واابناه!