جاء فوز عدد من رؤساء الجامعات المنتمين للنظام السابق فى الانتخابات الجامعية الأخيرة واختيارهم من قبل من انتخبوهم ليفتح مساحات من الأسئلة، ويرسل بعدد لا محدود من الرسائل للنخبة السياسية والثورية التى أدمنت الحديث باسم الشعب، وهى تربط كل ما تقوله بعبارة «الشعب يريد» دون أن تعرف حقيقة ما يريده الشعب.
استطلاعات الرأى التى تقوم بتنفيذها مجموعة من المراكز البحثية المختلفة تؤكد أن ترتيب أولويات المصريين مختلف تماما عن أولويات النخبة الثورية والسياسية، فالأمن والبطالة وارتفاع الأسعار هى المحاور الأساسية التى تأتى دوما على رأس الاستطلاعات بينما تتبنى النخبة قضايا أخرى، على الرغم من أهميتها، لكنها لا تشغل الشعب الذى يبحث عن احتياجات مختلفة.
مع كل يوم يمر يفقد الثوار والثورة رقعة من التأييد والالتفاف الشعبى حولهم، وأيا كانت الأسباب التى أدت إلى ذلك سواء بطء الإصلاحات وطريقة تعامل المجلس العسكرى مع الثورة، أو حماقات بعض الثوار، وتعاليهم على قطاعات كبرى من المصريين، فإنه فى النهاية هذا هو الواقع الذى لا بد أن يتعامل معه الجميع بعيدا عن الرومانسية الحالمة والمراهقة السياسية.
إن اختيار أساتذة الجامعات وهم من أعلى المصريين تعليما ونضجا ورقيا لرموز جامعية سابقة محسوبة على النظام، يؤكد أن هناك خللا فى العلاقة بين الشعب والثوار والنخبة السياسية، فكما يمثل هذا صفعة قوية مثل استطلاعات الرأى السابقة، فإنه أيضا يدق ناقوس الخطر لما سيتشكل فى مصر من مشهد سياسى سيختلف بالتأكيد عن الأحلام التى داعبت خيال الثوار والنخبة السياسية بعد الثورة.
إن عدم ترتيب الأولويات وعدم الاقتراب الحقيقى من أولويات الناس والانشغال بخوض معارك ضارية بين التيار الإسلامى والتيار الليبرالى على قضايا فرعية لا تهم المصريين، وبين مكونات الثورة وبعضها البعض، قد أفقد الشعب الثقة فى هذه النخب، وجعله لا يأتمنها على مصالحه، والخوف الأكبر أن تشهد الانتخابات القادمة عودة التصويت العقابى، فكما كان يصوت عدد كبير من المصريين للإخوان المسلمين نكاية فى الحزب الوطنى، فقد يصوت اليوم عدد كبير منهم لصالح الفلول ورموز النظام السابق عقابا للنخب السياسية والثورية التى لم تحسن إدارة الفترة الماضية منذ حدوث التنحى وبدء مرحلة جديدة من تاريخ مصر.
قد يرى البعض أن هذه المخاوف مبالغ فيها، ولكنها الحقيقة التى يحاول البعض إنكارها، كما أن انهيار التحالفات الانتخابية الذى يحدث الآن قبل بدء الانتخابات بقليل، وتفتت الأحزاب وقوى الثورة، يرسل رسالة للمواطن البسيط الذى يوصم من النخبة من أنه حزب الكنبة، بأن هذه القوى لم تستوعب بعد أن هناك ثورة حقيقية قد حدثت فى هذا البلد.. إن الثورة لا تغير نظام الحكم فقط بل تغير أيضا من سلوك النخب السياسية، ورغم تشدق هذه النخب بالثورة فإنها لا تمارس عملا ثوريا يمت لأخلاق الثورة بصلة، كيف لقوى سياسية لا تستطيع الاتفاق على نص بيان مكتوب يعبر عن رؤيتها فى حدث واحد، كأحداث ماسبيرو الأخيرة، أن تطلب من الشعب الثقة فيها، بل ومنها من يطالب بمجلس رئاسى مدنى يدير شؤون البلاد، بينما يفشل فى الاتفاق على صياغة بيان، فكيف سيتفقون إذا سلم لهم الشعب إدارة البلاد.
إن هذا ليس جلدا للذات ولكنه تسليط ضوء على واقع مرير نحياه وعلى مستقبل غامض ينتظرنا، مشاعر القلق التى تنتابنا على مستقبل الوطن مشاعر طبيعية لها ما يبررها، والإفراط فى التفاؤل بلا معطيات من الواقع هو جناية على مستقبلنا، آن للجميع أن يتحلوا بالمسؤولية إن كانوا يريدون إتمام الثورة ونجاحها، آن للجميع أن يطبقوا الفعل الثورى على أنفسهم أولا، قبل أن يطالبوا به الآخرين.. التوقف عن ازدراء الشعب ووصفه بالسلبية وعدم النضج والتفاعل مع واقع الحياة اليومى للمصريين هو الخطوة الأولى لترميم العلاقة بين هذه النخب وبين الشعب.. احترام أولويات الناس وتقديرها شرط لاكتساب ثقة الناس وتدعيمها.. من سيحترم الشعب ويتفهم احتياجاته وأولوياته سيفوز بثقته.. ومن سيتعالى عليه فلينتظر العقاب من الشعب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء دراز
بدون زعل يا دكتور ... أنا واخد حبايه صراحه الصبح و فى كلمتيين وقفيين فى زورى
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر ماهر
كله بيلعب من وجهه نظره
عدد الردود 0
بواسطة:
مدام / جيهان
مقال أكثر من ممتاز ...........شكرا تعليق رقم 1
عدد الردود 0
بواسطة:
د/أحمد
الواقع
عدد الردود 0
بواسطة:
peso
الاعتراف بالحقيقه
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم مهدي
كلام جميل جدا جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله
انت محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
لميا
أقول لحضرتك
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف عبد المنعم
بدأتوا تفوقوا
عدد الردود 0
بواسطة:
الطريق الثالث ( حزب الكنبه تحت التأسيس)
أنت أنسان محترم و خسارتك فى التجمعات الكارتونيه