د. مصطفى النجار

الشعب.. موجود

الأحد، 23 أكتوبر 2011 03:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ساد فى الأيام الماضية فى أوساط النخب السياسية نوعا من البكائيات المستمرة حول مستقبل مصر المرتبط بنتائج الانتخابات البرلمانية القادمة التى يرى بعضهم أنها لن تكتمل وأنها ستكون بحار دم لن تتوقف وستؤدى بمصر إلى الفوضى، بينما كانت مخاوف جزء آخر من هذه النخب تتعلق بالنتائج المتوقعة للانتخابات من سيطرة الإسلاميين والفلول على المجلس القادم، وبلغ الحد ببعض هذه النخب للمطالبة بتأجيل الانتخابات، بل قام بعضها بالدعوة لمقاطعة الانتخابات بالأساس واتهام من سيشارك فى الانتخابات بأنه يخون الثورة ويتخلى عن مبادئها إلى آخره من الاتهامات المعلبة والتى صارت ممجوجة من تهافتها وضعف منطقها.
لا أتصور أبدا أن يدعو البعض لمقاطعة أول انتخابات برلمانية أعقبت الثورة المصرية المجيدة، وبينما نتحدث عن ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية فى أسرع وقت يطالب هؤلاء بتأجيل الانتخابات أو مقاطعتها.. إن عملية الانتخابات القادمة ستكون أول فعل إيجابى حقيقى لهذه الثورة يعبر عن إرادة الشعب ورغبته فى اختيار ممثلين حقيقيين يعبرون عنه بعد ما طال عناؤه من غياب ممثلين له يعبرون عن إرادته، سواء قبل الثورة أو بعد الثورة مع حالة السيولة السياسية التى أحدثت فوضى فى مسألة التحدث باسم الشعب والنيابة عنه.
والحديث عن المقاطعة هو هروب من المواجهة وتسطيح للأمور لأقصى حد، أما حالة التخويف من غياب التأمين وظهور البلطجة بقوة فلا بد أن ننظر لها من ناحيتين الأولى هما مسؤولية التأمين التى تقع كاملة على المجلس العسكرى الذى تعهد بضمانته لأمن العملية الانتخابية، وهناك تصريحات عدة للمجلس تتحدث عن استعدادات ضخمة تقوم بها القوات المسلحة لحفظ الأمن أثناء الانتخابات وإخراجها بشكل مشرف يليق بجيش مصر ويعيد ثقة العالم فى استقرار مصر وقدرة أبنائها على ضبط الأمور.
أما الثانية فلا بد أن نربط تأمين الانتخابات وغياب البلطجة بمعدل المشاركة للمواطنين، فكلما زاد الإقبال على التصويت ضعفت فرص التزوير وانحسرت البلطجة عن العملية الانتخابية، والحضور الشعبى الكثيف هو خير ضامن لسلامة العملية الانتخابية وتمامها، وحتى إن حدثت بعض التجاوزات المحدودة فهى مفهومة، خاصة فى بعض المناطق التى تغلب عليها العصبية والقبلية والسلوك الانتخابى المحلى.
أما مسألة سيطرة الإسلاميين على البرلمان القادم وكذلك الفلول فلا بد أن نعيد النظر فيها لأنها تتناسى أن هناك تغيرا جذريا قد حدث بعد ثورة يناير، وهو عودة الإحساس بالانتماء للمصريين  وإحساسهم بأهمية أصواتهم لاختيار مستقبلهم، من شاهد الطوابير الطويلة التى اصطف المصريون فيها للتصويت فى يوم الاستفتاء يدرك أن المعادلة التصويتية ستتغير تماما، فبعض الدوائر على سبيل المثال كان مجموع المصوتين بها لا يتجاوز عشرة آلاف، وهذه الدوائر ذاتها شهدت نزول أكثر من مائة ألف فى الاستفتاء الأخير، مما يعنى أن السلوك التصويتى الجديد لا يمكن التنبوء به وأن المعطيات القديمة التى كان يتم الحكم بها عند التعامل مع المشهد الانتخابى قد اختلفت تماما، ولا توجد قوة سياسية تستطيع الزعم بأنها ستحقق أغلبية أو حتى تضمن عددا محسوبا من المقاعد فى البرلمان القادم، أما عودة الفلول فهى اختبار حقيقى لإرادة الشعب المصرى الذى قام بالثورة لإنهاء حكم هؤلاء الفاسدين الذين أفسدوا الحياة السياسية المصرية طيلة ثلاثين عاما، ولا يمكن تخيل أنه سيقبل على انتخابهم مرة أخرى بهذه البساطة، لكن هذا لن يمنع بكل تأكيد تسلل عدد منهم للبرلمان القادم، خاصة فى المناطق التى تسيطر عليها العصبية والقبلية، ولكنه لن يكون عددا كبيرا بالشكل الذى يجعل لهم كتلة تصويتية تعيق أداء المجلس.
إن التحدى الذى يواجه القوى السياسية الآن هو تحفيز المواطن المصرى وإعادة الثقة إليه فى العملية السياسية برمتها، خاصة بعد التعثر فى الفترة الانتقالية وسوء أداء وتفتت الأحزاب والقوى الثورية وتناحرها الذى انعكس سلبا على المواطنين وجعل نسبة الذين سيشاركون فى التصويت تنخفض نسبيا طبقا لاستطلاعات الرأى الأخيرة.
إذا تحمس المصريون مرة أخرى للمشاركة وإذا تأكدوا أن هناك ما يستحق النزول من أجله فستشهد الانتخابات القادمة مفاجآت من العيار الثقيل ترسم وجها جديدا للحياة السياسية فى مصر، ومن يدرى، وإن غدا لناظره لقريب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة