قطب العربى

الإخوان فى الميدان والنيران الصديقة

الأحد، 27 نوفمبر 2011 11:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تسبب قرار جماعة الإخوان بعدم المشاركة فى اعتصام التحرير الذى بدأ عقب مليونية جمعة المطلب الواحد، فى حالة عداء شديدة لهم من قبل غالبية المعتصمين فى الميدان الذين خصموا جزءا كبيرا من عدائهم للمجلس العسكرى وصبوه صبا على الإخوان، رغم أن الإخوان لم يطعنوا فى المعتصمين بل وصفوهم بصفات النبل والشرف والشهامة، وإن كانوا فقط قرروا عدم النزول للميدان منعا لصدام مدبر مع المجلس العسكرى وصلتهم معلومات بشأنه.

الإخوان لم ينزلوا إلى الميدان، ولكنهم أعلنوا فى بيان قوى تبنيهم لمطالب الميدان، كما أن عددا كبيرا من شبابهم نزل الميدان باعتراف كل المعتصمين، ومع هذا لم يسلموا من النيران الصديقة التى وجهت إليهم على امتداد الميدان، إذ لم يخلو مجلس يضم بعض المعتصمين فى الميدان من حديث عما يصفونه بخيانة الإخوان للثورة، وللأمانة تضم بعض هذه المجلس من يدافع عن الإخوان ويلتمس لهم العذر، وربما كان هؤلاء المدافعون من شباب الإخوان أنفسهم أو من شباب قوى إسلامية أو سياسية أخرى، لكن الغالب هو السب والقدح والتخوين، وإذا كانت قيادة الإخوان قد حافظت على هدوئها تجاه هذه الشتائم، فإن عددا لا يستهان بهم من شبابهم الذين لحقوا بالمعتصمين لم يحتملوا هذه الشتائم وخرجوا من الميدان.

شخصيا نزلت الميدان أكثر من مرة منذ يوم السبت الماضى لأننى لم استطع مقاومة عاطفتى نحو الميدان الذى قضيت فيه أجمل 18 يوما فى حياتى من قبل مع أبنائى، ومع كل الثوار الأحرار، وشخصيا كنت ضد موقف الإخوان بمقاطعة الاعتصام، وكتبت من قبل عن مليونية الجمعة وعن الاعتصام اللاحق لها، واصفا كل ذلك بثورة التصحيح وذلك فى مقالى المنشور بجريدة المشهد الإلكترونية يوم 12 نوفمبر بعنوان "إنها ثورة تصحيح أيها المجلس" ، وقد هممت بالكتابة ناقدا لعدم نزول الإخوان إلى الميدان، لكننى طلبت من القلم أن يتريث قليلا ، وهذه عادتى قبل الكتابة فى أى موضوع خلافى، وظللت مترددا فى الكتابة حتى وقعت الواقعة وجرى الدم أنهارا فى شارع محمد محمود، ساعتها تيقنت من صحة موقف الإخوان، وزاد يقينى مع ترددى على الميدان، ومشاهداتى الشخصية وحواراتى مع عدد من الأصدقاء المشاركين فى الاعتصام والمتحمسين جدا له، والناقمين بطبيعة الحال على موقف الإخوان.
فى الميدان كان الإخوان الغائب الحاضر والقاسم المشترك بين معظم الحوارات كما ذكرت من قبل، وكنت أقول للزملاء والأصدقاء الغاضبين لو انشغلتم بالبحث عن حل ومخرج من هذه الأزمة وعن طريقة لوقف نزيف الدماء لكان ذلك أجدى من قذف وسب الإخوان، لم أكن راضيا أبدا عن المواجهات العنيفة فى شارع محمد محمود والتى أسفرت عن مقتل العشرات من خيرة شباب مصر، ولم أقتنع أبدا بما كان يسوقه المعتصمون من مبررات لمحاولات اقتحام الشارع وديوان وزارة الداخلية، مدعين أن الوزارة هى وكر الشيطان، وهى رمز استبداد نظام مبارك، وبالتالى وجب حرقها، ونقلها إلى مكان آخر بعد تغيير اسمها وعقلية القائمين عليها.

أعترف أن قطاعا كبيرا من المعتصمين كانوا غير راضين عن مواجهات محمد محمود لكنهم لم يتمكنوا من وقفها لوجود مناصرين آخرين لها فى الميدان، وما زلت أتذكر خطاب المتحدث باسم الجمعية الوطنية للتغيير مساء الأربعاء فى ميدان التحرير أمام حشد من المعتصمين، رافضا إخلاء شارع محمد محمود، بينما كان القتلى يتساقطون فى الشارع.

لو كان الإخوان قد شاركوا فى الاعتصام لتحملوا تهمة إثارة الفوضى ولتحملوا مسئولية الدماء التى أريقت، ولكان ذلك سببا كافيا لفرض حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات، وتنصل المجلس العسكرى من كل الالتزامات التى قطعها على نفسه، ووجد لنفسه مبررا للبقاء فى السلطة وساعتها كان سيجد دعما شعبيا كافيا.
لقد شوه بعض المنتسبين لـ "الألتراس" ولقوى اليسار المتطرف الثورة السلمية بلجوئهم إلى العنف وإلقاء قنابل المولوتوف والحجارة على الأمن المركزى، هذه القوى اليسارية المتطرفة لا تخفى توجهاتها، ولا ممارساتها العنيفة، بل إنهم أنشأوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لمن يصفون أنفسهم بالحركة الأناركية أى الفوضوية، وراحوا يصدرون التوجيهات بالقتل والتدمير والحرق بطريقة واضحة يعاقب عليها القانون، وأتذكر أننى دخلت فى حوارات مع بعض هؤلاء الأناركية فى إبريل الماضى أثناء إغلاق التحرير، وقبل أن أعرف هويتهم السياسية، وكان مبلغ علمى أنهم مجرد منتمون لليسار، وقد كانوا فى حينها يرون أن ما حدث فى مصر لم يرق إلى وضع ثورة، بينما كانوا يرون الثورة الحقيقية هى ما يحدث فى ليبيا.

وبعيدا عن أنهار الدم فى التحرير نتيجة الغباء السياسى لرجال الأمن وتعاملهم بمنطق الثأر، والتحريض الأغبى لبعض الموتورين السياسيين، فإن الميدان لم ولن يجمع على طريقة للخروج من الأزمة، سواء فكرة حكومة الإنقاذ أو المجلس الرئاسى وأسماء الأشخاص المرشحين لذلك، ويكتفى المعتصمون - وهذا حقهم - بترديد هتافات وشعارات عامة حول إسقاط حكم العسكر بشكل عاجل، وبشكل أكثر تفصيلا إسقاط المشير الذى أعاد الكرة إلى الميدان بتلويحه بالاستفتاء على بقاء المجلس أو رحيله بشكل عاجل، رغم أن هذا الأمر ليس من حق المشير الذى لم يتول السلطة بناء على استفتاء أو انتخابات، ولكن هذا المخرج أصبح مقنعا لقطاع كبير فى الشارع الراغب فى الاستقرار، والانتقال السلمى للسلطة عبر الانتخابات، والذى بدأ يعبر عن نفسه فى شكل مظاهرات هنا وهناك.

لقد أصبحت مقتنعا تماما أن الانتخابات هى الطريق الأكثر واقعية لنقل السلطة من الحكم العسكرى إلى المدنى، وقد بدأت عجلة الانتخابات فى الدوران بالفعل مع بدء تصويت المصريين فى الخارج، ويوم الاثنين ستنطلق الجولة الأولى، ورغم محاولات بعض القوى لإشاعة الخوف والهلع لمنع الناخبين من التوجه إلى الصناديق إلا أن غالبية الشعب المصرى فى القرى والنجوع والأحياء والمدن تهفو لممارسة حقها الانتخابى لأول مرة بنزاهة تامة، كما أن هناك مئات اللجان الشعبية التى ستساعد الجيش والشرطة فى حماية اللجان الانتخابية، والتى لن تسمح لأحد أن يعكر صفو الانتخابات، وإذا كان البعض يتحدث عن احتمالات وقوع أعمال عنف وقتلى فى الانتخابات رغم كل هذه الاحتياطات الأمنية ، فإن الثابت تاريخيا أن كل الانتخابات السابقة شهدت أعمال عنف وقتل، وبالتالى فوجود بعض هذه الحالات فى الانتخابات الحالية يبدو أمرا عاديا.
لست متحمسا لتولى الدكتور الجنزورى رئاسة الوزراء، خاصة بعد أن شاهدته فى مؤتمره الصحفى الأول وقد أنهكته الشيخوخة، ولكن علينا أن ندرك أن حكومته ستكون أقصر حكومة فى مصر منذ 60 عاما، وأن مهامها محدودة وهى استكمال إجراء الانتخابات( لو تم تشكيلها قبل نهاية الانتخابات) وتوفير الأمن والاستقرار، ووقف نزيف الاقتصاد بما يمتلكه الجنزورى من خبرة فى هذا المجال، وأعتقد أن من المناسب فعلا تشكيل مجلس استشارى وليس رئاسى لمعاونته من مرشحى رئاسة الجمهورية وربما غيرهم، حتى يتمكن من إنجاز مهامه وتسليم الراية لحكومة منتخبة بعد أربعة أشهر.

حين تنتهى الانتخابات النيابية لمجلسى الشعب والشورى ويعقد المنتخبون فى المجلسين اجتماعهم الأول مطلع إبريل لاختيار اللجنة التأسيسية للدستور، ستبدأ بعدها مباشرة ربما بيوم أو يومين إجراءات انتخابات رئاسة الجمهورية، وهنا نطالب المجلس العسكرى بتحديد جدول زمنى واضح لفتح باب الترشيح ومواعيد الطعون والدعاية الانتخابية وأيام الانتخابات والنتيجة الخ، وإذا لم يف المجلس العسكرى بهذه التوقيتات فإن ميدان التحرير باق أمامنا مع غيره من الميادين، ومن تمكن من إسقاط رأس النظام لن تعجزه أبدا أطراف النظام.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة