د.أنور مغيث

هل نحن مستعدون لإعطاء الناس حقوقهم؟

الأربعاء، 22 يونيو 2011 10:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بلد ما.. قام جماعة من الأفراد بقطع أذن شاب بحجة سوء سلوكه، وقامت جماعة أخرى بحرق منزل امرأة بحجة ممارسة الرذيلة، وتم إجراء مصالحة ولم يسجن أحد، وفى هذا البلد وقف مجموعة من العمال أمام سلالم مصنعهم يطالبون برفع أجورهم، فتم إيداعهم السجون بتهمة تعطيل الإنتاج.. لا شك أنه بلد غريب، فإذا كان هناك ضرورة لأن يودع أحد فى السجن فالأولى أن يودع من اعتدى على غيره، وليس من يطالب بما يتصور أن حقا له.

بالطبع ستقولون أن عرض الصورة بهذا الشكل ليس أميناً، لأنه لا يشير إلى السياق الذى أوجد هذا الوضع، ففى الحالة الأولى، أى قطع الأذن، يقال أن الاعتداء تم فى بيئة محافظة لا تقبل السلوك المنحرف، كما أن محاكمة الجناة سوف تستثير الضغائن وتزيد الطين بلة، فتدفع الأئمة للتنديد بمحاكمة دعاة الفضيلة الناهين عن المنكر، وفى الحالة التانية، أى المطالبة برفع الأجر، يقال أن البلد على وشك الإفلاس وتوقف عجلة الإنتاج لا يضخ مالاً يسمح بتحقيق مطالب المحتجين، وينبغى اتخاذ إجراء رادع ضد من يستمرئون التوقف عن العمل.

ولكن أليس كل البلاد التى تحكمها قوانين غريبة لها مبررات من هذا النوع؟ ألم تعرف مصر فى الخمسينات قانوناً اسمه قانون التشرد يسمح بوضع العاطلين عن العمل فى السجن؟! ألم يؤدى خلق الفراديس الضريبية، أى المناطق التى لا يدفع فيها الأغنياء ضرائب على ثرواتهم، إلى لجوء رجال الأعمال فى أوربا لتهديد حكومات بلادهم بالهرب إذا فرضت عليهم ضرائب، مما دفع الحكومات إلى جباية ميزانيتها من صغار العاملين الذين لا يملكون ثروات يهربون بها.

وهكذا نلاحظ أن التبرير لا يلغى غرابة الوضع، ومهمة الثورات هو التخلص من هذا الوضع الغريب، وليس تكريسه، فنحن هنا أمام صراع فى السياسة بين القيمة والظروف، أو إذا شئتم بين ما ينبغى أن يكون وما هو كائن، ما ينبغى أن يكون هو أن يحصل الناس على حرياتهم، وعلى حقوقهم، سواء كانت حقوق سياسية مثل الانتخاب والإضراب والتظاهر، أو حقوق شخصية مثل حق كل شخص عاقل رشيد فى أن يتصرف كما يشاء بدون وصاية من أحد، على شرط ألا يخرق القانون، وحريته فى الاعتقاد والتعبير عما يعتقده حتى لو خالف عقائد الأغلبية، وضمان الملكية الخاصة، وحقه فى سلامة جسده من كل رجم أو جلد أو بتر.

وأيضا، طبقاً لما ينبغى أن يكون، يلزم محاكمة الذين اعتدوا على مواطنين آخرين مهما كانت دوافعهم، بل ومهما بلغ استعداد الضحية للتسامح فى حقه، وينبغى السماح للعمال والموظفين بالتعبير عن مطالبهم فى زيادة الأجر.

الانطلاق مما هو كائن يفتح الباب أمام كل تبرير للاستبداد بحجج مثل الصبر والانتظار والرسالة وصلت وضرورة عدم اثارة البلبلة..إلخ.

تُعرف اللحظات الثورية فى حياة الشعوب بالقرارات الجريئة والحاسمة التى تغير ما هو كائن باتجاه ما ينبغى أن يكون، فتنقل البلد من عصر إلى عصر، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بشكل كاف فى الثورة المصرية، فلم نجد حتى الآن ضمانة على الحقوق السياسية سوى الإشراف القضائى على الانتخابات، وهو رغم أهميته الكبرى، كان موجودا فى مصر من قبل ولم يمنع الاستبداد، لأن القوانين التى كانت تدار بها البلد فاسدة والدستور لا يكفل الحريات.

ولم يبق من مؤشر على استمرار الثورة سوى محاكمة رموز النظام السابق، وأخشى أن نكتفى بهذا القدر، فتتحول المحاكمات إلى مسلسل رمضانى طويل نتابعه بسلبية، ونترك أمر الوطن لولاة الأمر ووسائل الإعلام.

إن ما يدعو إلى القلق أنه تتصاعد الآن فى مصر من كلا الجانبين نبرة عداء واستعداء ضد من يطالبون بحقوقهم، فتستعدى وسائل الإعلام الشيوخ ضد الشباب والعاملين ضد العاطلين، وأصحاب المرتبات العالية ضد من يتلقون الفتات.

ولقد سمعت أحد المليارديرات يعتبر الشباب المصرى كسولا ومدللاً لأنه يعرض عليهم فى مشروعاته عملا بمرتب ربعمائة جنيه ولا يجد أحدا - ربعمائة جنيه تعادل خمسين يورو - فى الوقت الذى أصبح فيه الحد الأدنى للأجور فى أوروبا ألف ومائتين يورو، وفى شهر ديسمبر طالبنا نحن أعضاء هيئة التدريس بتعيين سكرتيرات فى الأقسام بالكلية، فقيل لنا أن الجامعة ليست لديها ميزانية، ولكن يمكن للكلية من خلال مواردها الخاصة من معاهد اللغات تعيين سكرتيرات بمرتب 185 جنيه شهرياً! واشتكى أحد العمال أنه حين صدر قانون معاقبة الإضراب عن العمل قام مدير الشركة بتخفيض مرتبهم الأساسى من 190 جنيه إلى 155 شهرياً، وهدد بتحويل المحتجين إلى القضاء حسب القانون الجديد، وسمعت "خبراء اقتصاديين" يقولون فى التليفزيون أنه لا فائدة من رفع الأجور لأن الأسعار سوف ترتفع فى اليوم التالى، وكأن هذا التفاوت المخجل للدخول فى مصر هو لعنة وحلت علينا، أو كأن العالم لا توجد به قوانين وآليات تحقق التوازن الاقتصادى.

فى بلدنا، حينما يتسلم الإنسان عملاً براتب شهرى لا يسمح له أن يشترى بنطلونا، ويتم التعامل بتراخ واسترضاء لمن اعتدى على مواطنين غيره، ويتم التعامل بالعقاب القانونى والتنكيل الإعلامى بمن يطالب برفع أجره الهزيل، فإن هذا يعنى أن بالبلد خللاً كبيراً.

أما عن السؤال: ما العمل والبلد على وشك الإفلاس الاقتصادى؟ فنعتقد أن المواطنين لديهم شعور بحسهم السليم أن الظروف لا تسمح بتحقيق ما يطلبون دفعة واحدة ولكنهم يبحثون عن مجرد مؤشرات تطمأنهم على نية السير فى هذا الطريق ولا يجدون، وهذا القلق ينسحب بدوره على الحقوق الأخرى الفردية والعامة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة