حدثنى صديقى وأحد رفاق الدرب من النشطاء المعروفين قبل الثورة، ممن تحملوا كثيرا فى عهد مبارك وناضلوا بصدق فى كل مراحل حياتهم، وصوته يختنق بالبكاء من شدة الحرب التى يشنها عليه بعض المدعين بالمزايدة والتخوين من الكائنات الطفيلية التى ظهرت بعد تنحى مبارك وارتدت خوذة النصر وحرملة القواد الفاتحين.
صمت الكثير منا وزهد فى الكلام، تعففا وإنكارا للذات، وإخلاصا للفكرة التى عشنا لها، لم يخرج أحد من الثوار الحقيقيين الذين أشعلوا فتيل الثورة وادعى البطولة، لم يخرج أحد منا وقال لقد فعلت كذا وكذا، لم يقل أحد منا كيف تم تعذيبه فى أمن الدولة مرات ومرات، وكيف قبع فى سجون مبارك مرات ومرات، لم نمنن يوما على الشعب المصرى بما فعلنا، فما فعلناه هو الواجب، والتراكم الذى صنعناه وصنعته أجيال قبلنا هو الذى مهد الطريق.
نزلنا للشارع يوم 25 يناير بصدور عارية كسرت حاجز الخوف ولم يكن هذا أول تحد للنظام وزبانيته، من يبحث فى التاريخ ويدقق يعرف أن هذه الثلة من الشباب النقى والمخلص تحملت الكثير والكثير وعاشت تحلم بحلم التغيير وتعمل له.
كنا نسحل فى الشوارع ونصعق بالكهرباء ونطارد فى أرزاقنا وعملنا، عاش أهلنا لحظات من الألم والفزع بسبب ما نفعله، ولكن لم نضعف يوما، ولم نصمت بل كنا نزداد قوة كل يوم ويقينا أن الفجر آت لا محالة.
كانت السياط تنهال على ظهورنا وغيرنا يستمتع بملاطفة كلبه وقطته، كنا ننتظر كل مساء زوار الفجر ليفسدوا علينا حياتنا ويسلبوا حريتنا، وغيرنا كان يستمتع بأخذ حمام الشمس على شاطئ جميل، كنا نرفض الصمت وندفع الثمن وغيرنا آثر السلامة واكتفى بمشاهدة الأحداث ومصمصة الشفاه، والتنظير على مقاهى المثقفين وعلى صفحات الجرائد.
وقامت الثورة التى بلا شك أشعل فتيلها ثلة مخلصة وهبت أرواحها للوطن وقررت أن تكون فى مقدمة الصف فداء لهذا الشعب العظيم وحريته، وبعد خلخلة النظام وتهاوى قبضته القمعية وزوال الخطر، ظهر هؤلاء ممن قفزوا على الثورة من كل حدب وصوب.
سكتنا كثيرا وقلنا سيحترق هؤلاء وسيعرفهم الناس على حقيقتهم، ولكن فوجئنا بأفواج أخرى من المناضلين الجدد (مناضلى ما بعد الثورة)، الذين استباحوا كل شىء، وصاروا يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلو الثورة وروادها وتلقف الإعلام المشوش والفاقد للمصداقية هؤلاء بائتلافاتهم واتحاداتهم وكتائبهم وأطرهم العبثية ليتكلموا نيابة عن الوطن وعن الثوار.
تفحصنا فى كثير من هذه الوجوه لنجد بينهم بعض من كانوا يوما جزءا من النظام وانتموا اليه، ومن كان مرشدا لأمن الدولة ومن كان يبحث فى الحزب الوطنى عن أى سبوبة ولو كلفته أن يلعق حذاء جمال مبارك ووالدته، وأيضا من كانوا يحذفوننا من قائمة الأصدقاء على الفيس بوك بسبب خوفهم من أمن الدولة من مجرد أننا أصدقاء لهم على الفيس بوك وأكثر من ذلك، أتذكر بعضهم ممن كنا نحاول إقناعهم بالعمل معنا فى مشروع التغيير فيتهرب ويقول لنا أنتم تضيعون أوقاتكم، هاجروا من هذا البلد وابحثوا عن مستقبلكم.
أتذكر هذه الوجوه المرتعشة والمريضة بالخوف قبل الثورة، وأتعجب الآن وهم يقدمون أنفسهم على أنهم حماة الحمى والفرسان الصناديد والشهداء الأحياء، ومن بينهم من يبحثون عن الشهرة بسب الثوار وتخوينهم والمزايدة على نضالهم.
لقد طال صمتنا، ولكن طفح الكيل، كلما صمتنا وترفعنا وتعففنا تعملق هؤلاء الأقزام، ولو شئنا لقلنا للناس من هؤلاء، وما هو تاريخهم المشين، ولكن ليست هذه أخلاقنا وليست هذه مبادئنا، لن يتساوى أبدا من ناضل أيام مبارك وفتح صدره للرصاص وفتح باب الحرية، ومن قرر فجأة أن يصبح مناضلا بعد نجاح الثورة، لن يتساوى من لهم جذور ضاربة فى أعماق الأرض ومن يشبهون الدخان العابر الذى سيزول، سنكمل ما بدأنا وسنترك هذه الفقاعات اللحظية فمصيرها الذوبان مهما تضخمت (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ) صدق الله العظيم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دينا عامر
بارك الله لك
عدد الردود 0
بواسطة:
السيدالشهاوي
000000قرات للك المقال السابق انت ثائر واديب0000000
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد المصري
طيب ماتقول
عدد الردود 0
بواسطة:
عليمو
الإجابة ممدوح حمزة
بسم الله الرحمن الرحيم .. الإجابة ممدوح حمزة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى حماد
مكشوفيين
عدد الردود 0
بواسطة:
sha3ro1
etklam
عدد الردود 0
بواسطة:
sha3ro1
etklam
عدد الردود 0
بواسطة:
د/احمد
يا اخيرا اتكلمت
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد شتيوى
انت مثلهم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
تحدث فكم اشتاق لسماع عقل الثورة (انا بخالفك قى حاجات كتير بس بحترمك)