ذات مساء قريب رن هاتفى، وإذا بصوت شاب يُعرفنى بنفسه ويقول أنا اسمى علاء، أنا كنت معاك يوم موقعة الجمل أمام المتحف بعد منتصف الليل، وكنت تحمل كاميرا تلتقط بها بعض الصور، والتقطت لى صورة أنا وصديقى نصر الدين عويس ونحن فوق سيارة حربية بعد أن استطاع الثوار دحر الهجوم الأول للبلطجية وإبعادهم حتى كوبرى أكتوبر، إننى أريد هذه الصورة لأن صديقى نصر الدين قد استشهد بعدها بقليل بالرصاص الحى، وهى آخر صورة له قبل استشهاده.. لم أتمالك دموعى وعدت بذاكرتى للوراء لهذا اليوم العصيب الذى تمنيت فيه أن أموت لأرتاح من شدة الألم النفسى والضيق والغضب مما يفعله بنا السفاح وزبانيته.
لقد كنت إذن أودع شهيدا دون أن أدرى، تذكرت ابتسامته الواثقة من النصر والممتلئة باليقين والرضا والثبات العجيب، تتبعت الأمر لأعرف أن الشهيد هو فى نفس سنى تماما، فى الواحدة والثلاثين من عمره، وخريج كلية العلوم، وهو أب لطفل جميل اسمه محمد، عمره عامان فقط، علمت أنه ودّع أمه وزوجته وأهله، وقال لهم وهو ذاهب للاعتصام: «إنها معركة واحدة إما الحرية للوطن وإما الشهادة»، كل من رأوه فى هذه الليلة كانوا يعجبون لأمره، فهو لا يتكلم كثيرا ويبتسم دوما، ورغم إصابته بأكثر من جرح فى رأسه وجسده فى نفس الليلة قبل استشهاده، فإنه لم يعبأ بكل هذا، وكان يلتقط الحجارة ويرمى بقوة تجاه المعتدين ليحمى الميدان والمعتصمين.
علمت أيضا ما هو أروع، إن نصرالدين لم يُستشهد أمام المتحف مثلما استُشهد الكثيرون بيننا ونحن ندافع عن الميدان، بل استُشهد فوق كوبرى أكتوبر بعد أن انطلق هو ومجموعة من أشجع شباب مصر ليقوموا بعملية التفاف خلفى على البلطجية والقتلة ويفاجئوهم من الخلف فوق الكوبرى نفسه ليمنعوهم من إطلاق النار علينا، والمفاجأة أن الشهيد اخترقت جسده رصاصات عدة، منها ما فى صدره وصولا للظهر، ومنها ما فى رأسه، والأكثر عجبا أن أكثر من شاهد عيان قد أكد أن استشهاده جاء بعد تسليط شعاع من الليرز الملون الذى كان يعبث بعيوننا يومها يميناً ويسارا، وأكدوا أن مصدر الرصاصات هو من ناحية فندق هيلتون رمسيس والعمارات المجاورة له.
إذن لقد قتلونا بأسلحة متطورة، ساعدت القناصة على استهدافنا من أماكن بعيدة، وهذه الأسلحة لم تكن بحوزة بلطجية مأجورين، بل قتلة محترفين صدرت إليهم الأوامر بقنص هؤلاء الأبطال والإجهاز على الثورة وإجهاضها، وبعد كل هذا ما زال البعض يتحدث عن العفو عن السفاح المخلوع، ومازالت المحاكمات التى تتم بالتصوير البطىء تحرق أعصابنا وتصيبنا باليأس والإحباط، إن محمد نصر الدين ذا العامين يريد ثأر والده، دمًا بدم، وكل الموازانات السياسية والإقليمية لن تجعلنا نتراجع عن مطلبنا بالقصاص الفورى، أطفئوا النار فى قلوبنا وقلوب الأمهات الثكالى، دعونا نشعر بأن هناك ثورة حقيقية قد نجحت وجنى الشعب ثمارها، أردناها ثورة بيضاء من أجل تاريخ مصر، ولكن للأسف يبدو أننا سنندم لأن دفعنا الثورى لم يجعلنا نطالب بإعدام هؤلاء القتلة بعد تنحى المخلوع فورا، إن من يلوم أسر الشهداء عليه أن يجرب وجع الفقد للأبناء والغضب من غدر القتلة الذين نهشوا بأنيابهم فى شباب مصر ليعاقبوه على طلبه للحرية وبحثه عن مستقبل أفضل، أهالى الشهداء فخورون بأبنائهم، وفرحون بشهادتهم لأنهم حرروا وطنا بأكمله وأعادوا شعبا إلى الحياة ولكنهم ينتظرون القصاص الذى تأخر.
نعاهد الله على أن نحافظ ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺭﺗنا ﻭﺃﻥ نعمل ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﻳﻀﻴﻊ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍء ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻗﻠوبنا تنبض، يا صديقى نصر الدين نم هانئا وأغمض عينيك فلن يضيع دمك، لقد مت أنت ورفاقك، لنعيش نحن، فبئس حياتنا إن ضيعنا دماءكم، سنذهب قريبا إلى والدتك الكريمة ونقبل رأسها ونقول لها فليهدأ قلبك الآن، فقد أخذنا بثأر نصر الدين ورفاقه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
salwa gamal
قسم الله " لأنصرنك ولو بعد حين"
عدد الردود 0
بواسطة:
camal
ابتسم يا مصطفى
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
بئس لها من حياه
عدد الردود 0
بواسطة:
علا عيد
جميل
عدد الردود 0
بواسطة:
عبده
انت واللى زيك الامل فلاتحيد عن الطريق
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
ربنا يوفقك وكل المخلصين
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
حسبي الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
منكو للله
عدد الردود 0
بواسطة:
رانيا زهران
الى رقم 8
ربنا يخدك انت ويريح مصر من اشباه الرجال اللى زيك
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن وبس
الى متى ...مصر تحترق