قطب العربى

الشعب يريد تطبيق شرع الله!

السبت، 30 يوليو 2011 10:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أدرى سر حالة الهلع التى انتابت الكثيرين من هتاف "الشعب يريد تطبيق شرع الله" الذى ردده ملايين المصريين فى ميدان التحرير وغيره من ميادين محافظات مصر أمس الجمعة، ولا أدرى سر الاعتراض على هذا الهتاف، وقطعا لم أقتنع أن السبب هو مخالفته لما تم الاتفاق عليه بين القوى المشاركة، إذ نفت الجماعات السلفية توقيعها على أى وثيقة تمنع هذا الهتاف، بل كان واضحا من دعوتها المبكرة لهذه الجمعة والتى تأجلت أسبوعا لمزيد من التنسيق مع بقية القوى الإسلامية أنها تضع قضية الهوية على رأس أهداف هذه الجمعة، والهوية تعنى ببساطة من وجهة نظرهم أن تكون مصر إسلامية أى محكومة بقوانين الشريعة وليست علمانية محكومة بقوانين نابليون كما يطرح غيرهم.

أليس من حق الغالبية المسلمة أن تطلب تطبيق ما تدين به ؟ وإذا كان الرد بأن الذين خرجوا يوم الجمعة فى كل محافظات مصر لا يمثلون الأغلبية يبقى السؤال أليس من حق هؤلاء ولو كانوا بضع مئات فقط أن يطالبوا بهذا المطلب بشكل سلمى فى ظل حرية فتحتها أمام الجميع ثورة يناير العظيمة؟ ودعونى أتساءل أيضا أليست الشريعة هى نص دستورى فى كل دساتير مصر منذ دستور 1923، وحمل رقم 2 مباشرة فى دستور 1971 الملغى وانتقل النص كما هو إلى الإعلان الدستورى الذى يحكما الآن؟ وهل حين يطالب البعض بتطبيق ها النص الدستورى يكون شاذا؟ أم أن من يريد تعطيل هذا النص يكون هو الشاذ والخارج على الدستور والذى يمكن تقديمه للمحاكمة بدعوى تعطيل الدستور؟.

يا أيها الأخوة المنزعجون من تطبيق الشريعة حنانيكم، فالنص كما ذكرت موجود ولا يستطيع أحد إلغاءه، ولم يستطع الرئيس المخلوع حسنى مبارك وهو فى عنفوان حكمه أن يقترب من هذا النص لأنه كان يعلم أن" من اقترب احترق" ، ولكنه عطل تطبيق النص فى الواقع وذلك بامتناعه ومنع حكومته ومنع نواب حزبه الذين كانوا يشكلون الأغلبية عن التقدم لمجلس الشعب بمشاريع قوانين تلتزم بالشريعة، والأهم أن الكثير من أوجه الشريعة الإسلامية مطبقة بالفعل، ولم يشكو منها أحد، ولكن يتبقى بعض الجوانب خاصة فى قانون العقوبات، وهى أمور لاتخيف إلا اللصوص والمجرمين والسكارى والزناة، والسؤال هنا هل يريد المنزعجون توفير حماية لهذه الفئات التى تمثل خطورة على المجتمع والتى ينبغى ردعها؟!

أفهم أن ينزعج الأخوة المسيحيون من مطلب تطبيق الشريعة، وقد انزعجوا بالفعل من حشد يوم الجمعة وشعاراته، ولكنهم مدعوون لمناقشة مخاوفهم بشكل مباشر مع التيار الإسلامى دون وسيط، فنحن جميعا شركاء فى وطن واحد، ونحن جميعا ركاب سفينة واحدة إما أن تنجو أو تغرق بنا جميعا، وأتمنى على الأخوة المسيحيين أن يتجاوبوا مع دعوات الحوار التى يوجهها إليهم التيار الإسلامى سواء من الإخوان أو السلفيين، بل أتمنى أن يكونوا هم المبادرين بالدعوة للحوار، وأنا أعلم أن لديهم الكثير من لجان وآليات الحوار التى يستخدمونها فى حوارات أخرى مع أطراف ليست فاعلة، كما أنهم فى هذه الحالة سيضمنون حضورا مكثفا من الجانب المسيحى للحوار، وساعتها سنكتشف ان معظم المخاوف وهمية، أو أن من الممكن تقديم تطمينات كافية بشأنها، وقد يظل هناك قدر قليل من الخلاف وهذا هى طبيعة الأمور.

سيقول البعض إن الأمر ليس متعلقا فقط بالداخل ، ولكنه متعلق بموقف القوى الدولية المتربصة بالثورة المصرية، وهو قول قد يكون صحيحا، لكن الحقيقة أن هذه القوى تدرك الخارطة السياسية المصرية جيدا، وهى لم تفاجأ بكثافة الحشد الإسلامى يوم جمعة الإرادة الشعبية، بل إن الحكومات الغربية وعلى رأسها الحكومة الأمريكية شرعت فعلا فى إجراء حوارات مباشرة وغير مباشرة مع قوى التيار الإسلامى للتعرف منها بشكل مباشر على مواقفها التفصيلية ورؤاها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف يمكن أن تحافظ على مصالح تلك القوى الكبرى فى مصر والمنطقة، ولا أظن أن الإدارة الأمريكية مستعدة للتدخل بشكل مباشر فى مصر لمنع تقدم الإسلاميين بعد أن خبرت التجارب المريرة لمحاولات إقصائهم بالقوة من قبل فى الجزائر وفى غزة وحتى فى إيران، كل ما ستفعله هو زيادة منحها المالية التى تقدمها بالفعل لتقوية التيارات المناهضة للإسلاميين وربما التلويح بقطع بعض المعونات حال وصول الإسلاميين للسلطة، وهى معونات يمكننا الاستغناء عنها ببساطة لأن معظمها كان يذهب إلى جيوب كبار المسئولين، كما أن وقف نزيف الفساد المالى وتحقيق الشفافية الكاملة سيوفر مليارات الجنيهات التى تحل محل تلك المعونات، والأهم أن قطع تلك المعونات سيدفعنا إلى الاعتماد الكامل على النفس وزيادة الإنتاج وتطويره وفى هذا خير دائم للوطن والمواطنين، ورغم هذه المخاوف بقطع المعونات فإن هناك احتمالا آخرا أن لا تقع الولايات المتحدة فى هذا الخطأ حفاظا على مصالحها الإستراتيجية التى يمكن أن تتضرر كثيرا، بل قد تضاعف تلك المساعدات بهدف خطب ود السادة الجدد أصحاب الشرعية الشعبية، بعد أن فشل رهانها على الحكام المستبدين.

رغم أن مطلب تطبيق الشريعة كان هو الأعلى صوتا فى جمعة الإرادة الشعبية، إلا أن هناك الكثير من المطالب الأخرى التوافقية التى ترددت فى جنبات ميدان التحرير وغيره من الميادين، وعلى رأسها سرعة وعلانية محاكمة مبارك وقتلة الثوار، وسرعة إتمام عمليات التطهير، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإلزام المجلس العسكرى بجدول زمنى واضح لمواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية وتسليم السلطة للمدنيين، وكان من الممكن للقوى الليبرالية واليسارية المشاركة فى جمعة الإرادة الشعبية أن تتجاوز عن هتافات تطبيق الشريعة فى سبيل التركيز على بقية المطالب التوافقية، لكن هذه القوى أبت إلا أن تضع العقدة فى المنشار، وأبت إلا أن تظهر بمظهر الجاهل سياسيا -بادعائها أنها تعرضت لعملية خديعة كبرى- وهى صفة ما انفكت تتهم بها خصومها الإسلاميين الذين لم يخفوا- خاصة السلفيون منهم- أن خروجهم يوم الجمعة هو بهدف الدفاع عن الهوية الإسلامية لمصر، إلى جانب الدفاع عن الإرادة الشعبية التى جسدتها نتيجة استفتاء 19 مارس.

مظاهرة يوم الجمعة أعادت رسم المشهد السياسى، وأوضحت الأحجام النسبية لكل فريق فى الملعب، وبعد هذا التحديد أتوقع -على عكس الكثيرين- أن يعود الجميع إلى حوار موضوعى حول كل القضايا الخلافية، وأتوقع أنهم سيتمكنون من الوصول غلى حلول توافقية لها.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة