د. مصطفى النجار

الأزهر الذى عاد للحياة

الأحد، 21 أغسطس 2011 04:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احتاجت مصر إلى ثورة كى يستيقظ الأزهر من سباته العميق الذى تم إدخاله فيه عنوة من قبل الأنظمة السياسية المختلفة التى حكمت مصر منذ ثورة يوليو عام 1952.

فلم يكن الأزهر منذ تأسيسه مؤسسة حكومية بل كان كيانا مستقلا لعب أدوارا وطنية فى غاية الأهمية على مر عصوره ولعب دورا كبيرا فى توحيد المصريين وإعادة لحمتهم وتماسكهم فى حالات الخطر الداخلى والخارجى، وأخرج الأزهر رموزا وطنية تصدت للظلم والاستبداد وشاركت فى مسيرة النضال الوطنى.

كان من أهم ما ميز الأزهر هو أنه مدرسة الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح للدين، حافظ على فهم الدين بصفائه بعيدا عن الغلو والتطرف والشطط ورغم نشأة مدارس إسلامية فكرية مختلفة على اتساع العالم الإسلامى إلا أنه ظل المنارة الأولى التى تتوجه إليها قلوب المسلمين لتعرف صحيح دينها وهى مطمئنة إلى عمق فهمه وأصالة فكره ونبل مقاصده.

وحين قامت ثورة مصر واختلط المشهد العام بعد ذلك وظهرت صراعات الهوية ومعارك الدستور والاختلاف على شكل الدولة، استشعرت مؤسسة الأزهر بالخطر من جراء انقسام المجتمع وتعدد الأصوات المتنافرة التى تحاول إثبات أنها صاحبة الحقيقة المطلقة.

فاجأ الأزهر الجميع بوثيقة رائعة جمعت شتات الأمة وأكدت على المنهج العلمى والعصرى الذى انتهجه الأزهر فى صياغته المميزة التى انفرد بها لتعريف الدولة الوطنية الدستورية الحديثة وقطع الطريق أمام من حاولوا إعادتنا للوراء، استطاع الأزهر أن يجمع الجميع ليتوافق الأغلبية على نص الوثيقة التى اتفق عليها المصريون مسلمين ومسيحيين.

وكل هذه مبشرات تدعو للتفاؤل بعودة دور الأزهر الفترة القادمة، ولكن عودة الأزهر لأداء دوره تواجهها عقبات كثيرة لأن مؤسسة الأزهر تم تهميشها وإضعافها بشكل متعمد على مدى سنين طويلة، يحتاج الأزهر لثورة إصلاح داخلية على جميع المستويات.

إصلاح الأزهر يبدأ من إعلان استقلاله الكامل عن الدولة وإلغاء فكرة تعيين شيخ الأزهر بل يجب أن يحل مبدأ الانتخاب من هيئة كبار العلماء محل التعيين، كذلك الاستقلال فى الموارد المالية أمر حتمى لإتمام الإصلاح الهيكلى.

كذلك بالنسبة للدعاة وتأهيلهم أعتقد أن وزارة الأوقاف قد يكون الأفضل لها الاندماج مع الأزهر لتوحيد منهجية إعداد الدعاة وضمان وحدة المفاهيم وثقافة الدعاة وضمان الجودة فى اختيار وإعداد الدعاة الذين يحملون رسالة الأزهر داخل مصر وخارجها.

كما أن الاقتراح بعمل نقابة لخريجى الأزهر من الدعاة والمعلمين هو اقتراح هام ينبغى التعامل معه بجدية لأن أحوال العاملين بالأزهر فى مختلف قطاعاته مؤسفة بسبب ضعف الدخول الذى يؤثر على حسن الأداء.

أما رسالة الأزهر العالمية فهى ورقة قوة للدولة المصرية وكانت تمثل إحد أوراق القوة الناعمة التى تحركت بها مصر فى أفريقيا وآسيا لفترات طويلة، يعانى طلاب البعوث الإسلامية منذ فترة طويلة بسبب التعامل الأمنى من قبل جهاز مباحث أمن الدولة المنحل والذى كان يتعامل مع هؤلاء الطلاب على أنهم مصدر خطر وتهديد للأمن القومى المصرى وبلغ هذا التعامل منتهى القسوة قبل ثورة يناير حيث تعود هؤلاء الطلاب على حملات مداهمة أمنية لبيوتهم وإلقاء القبض على الكثير منهم بل وتعذيب بعضهم بلا ذنب ولا تهمة حقيقية مما أفسد العلاقة فى الجانب التعليمى بين مصر وعدد من الدول الإسلامية المهمة التى صار أبناؤها يذهبون لبعض الجامعات بالسعودية ودول الخليج.

نحتاج إلى إعادة المزايا التعليمية التى كان يحصل عليها هؤلاء الوافدون والتعامل معهم على أنهم سيكونون سفراء لمنهج الوسطية وسفراء لمصر كما حدث مع عدد غير قليل من أبناء أفريقيا الذين تعلموا فى الأزهر ثم أصبحوا رؤساء لدولهم وحفظوا الجميل لمصر على الدوام.
أشعر بتفاؤل كبير تجاه دور الأزهر وأنتظر منه الكثير وكلى ثقة أن شيخ الأزهر الحالى وفريق العمل الذى معه من مستشارين سيستطيعون أن ينقلوا الأزهر هذه النقلة النوعية التى ينتظرها الجميع، شكرا للثورة التى أعادت لنا الأزهر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة