قطب العربى

ثورة الفنانين والجملة الناقصة

الإثنين، 16 يناير 2012 10:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد نختلف أو نتفق على إنشاء جبهة جديدة للدفاع عن الإبداع، رغم وجود العديد من النقابات الفنية والمراكز الحقوقية، ولكن دعونا نتعامل بحسن نية مع احتشاد عشرات بل مئات الفنانين والإعلاميين والسياسيين فى مقر نقابة الصحفيين يوم السبت الماضى للإعلان عن ولادة تلك الجبهة، وما أكبرها من كلمة، فالجبهة تعنى فى الوعى الشعبى جبهة القتال والحرب، ولكن دعونا نعتبر اللقاء هو مجرد وقفة لهذه النخبة القلقة التى أصبحت تخشى على مستقبلها فى بلد منح معظم سكانه ثقتهم لخصوم هذه النخبة من الإسلاميين فى أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر، وأصبحت هذه الأغلبية الإسلامية مصدر إزعاج لهذه النخبة، خاصة بعد صدور تصريحات متشددة من بعض أطيافها ومنتسبيها.

كشر الفنانون والمثقفون عن أنيابهم إذن لهذه الأغلبية الإسلامية، وأظهروا لها العين الحمراء حتى لا تقترب من الفن والإبداع، وحتى يحققوا نوعا من الردع أو توازن الرعب (طالما أننا نتحدث عن جبهة!!)، لكن خطيئتهم الكبرى أنهم بالغوا فى موقفهم حتى بدت وقفتهم وحركتهم موجهة ضد المجتمع كله، وما يحمله من قيم وتقاليد راسخة لم تستطع أعتى السلطات عبر العصور أن تمسها بسوء، لكن من الواضح أن نفراً من الفنانين (اليساريين بالأساس) يعتبرون أنفسهم أقوى من الجميع، وأن بإمكانهم أن يفرضوا رؤيتهم - أيا كانت - على المجتمع حتى لو تصادمت مع معتقداته وأخلاقه وقيمه، حتى أن مقدم الحفل وأحد الداعين إلى الحشد المنتج محمد العدل رفض مجرد نصيحة من الشيخ جمال قطب الذى أعلن فى كلمته دعمه الكامل لحرية الفن والإبداع، بشرط أن لا يكون على حساب ميزانية الدولة (الخاوية حاليا)، وأن لا يفرض فرضاً على المراحل التعليمية، ثم جاء البيان الختامى كبيان عسكرى (بما أننا نتحدث عن جبهة أيضا)، ليهدد ويتوعد بالويل والثبور وفظائع الأمور لمن ينتقد فنانا أو عملا فنيا، أو يصدر فتوى وموقفا دينيا رافضا، ودعا البيان إلى صدور تشريعات تجرم صدور هذه المواقف والفتاوى والتصدى لها ومنعها، يا إلهى يريدون الحرية لأنفسهم فقط، ويحرمون غيرهم منها.

الفن كالماء والهواء لا يستطيع مجتمع أن يعيش بدونه، هذا حق، ولكن لابد أن يكون الماء والهواء نظيفين حتى يستمتع بهما المجتمع، ولا يتعرض للأمراض بسبب الملوث منهما، والفن بهذه الرؤية منه ما هو نظيف، ومنه ما هو ملوث ينبغى تنقيته، ووظيفة التنقية ليست مهمة شيوخ الأزهر أو كهنة الكنائس، ولكنها بالأساس مهمة الفنانين أنفسهم، فهم أصحاب دين وعقيدة - مسلمين كانوا أو مسيحيين، وهم أصحاب حس وضمير وطنى، وهم جزء من هذا المجتمع الذين يعيشون فيه ويتفاعلون مع قضاياه، ويتخلقون بأخلاقه، وليس متصوراً أن ينقلبوا على هذا المجتمع وقيمه وأخلاقه بحجج الإبداع، ثم يتوقعوا ترحيبا من المجتمع بهم أو بأعمالهم.

فى اعتقادى المتواضع أن ما انتقص من هذا الحشد هو مجرد جملة اعتراضية فى البيان التاسيسى أو التوصيات الختامية، مفادها أن فنانى مصر ومبدعيها وقادة الرأى فيها سيقفون بكل قوة ضد أى عدوان على حرية الإبداع، كما أنهم سيرفضون بالقوة ذاتها أى خروج على قيم المجتمع العليا، وفى اعتقادى أيضا أن وثيقة الأزهر الأخيرة الخاصة بالحريات العامة كفت المؤمنين القتال، بتضمنها نصا واضحا عن حرية الإبداع، وكان من المفترض أن يكتفى بها الفنانون والخائفون عموما، خاصة أن الوثيقة اكتسبت قوة معنوية كبرى بتوقيع كل قيادات مصر الكبرى عليها، وفى مقدمتهم مرشد الإخوان والبابا شنودة ورؤساء الأحزاب بمن فيهم رئيس حزب النور السلفى ومرشحو الرئاسة وكبار المثقفين والمبدعين أيضا.

أتمنى بعد هذه "الزغرة" الفنية أن يعود الجميع إلى رشدهم، سواء الرموز الإسلامية أو الرموز الفنية، فنحن أمام مخاوف مشروعة من الجانبين تحتاج إلى طمأنة عملية، والمطلوب من الفنانين هو تعهد بميثاق شرف يضع ضوابط أخلاقية على الإبداع لتحقيق الأمان الاجتماعى، وعلى المشايخ أن يتفهموا أهمية الفن والإبداع فى حياة المجتمع، ولا ينظروا إلى جانب واحد من الصورة، وأن يأخذوا بميسر الفقه لا بمتشدده تجاه هذه القضة "فما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما"، وعلى الطرفين - فنانين وإسلاميين - الحوار المباشر بدلا من التقاذف بالاتهامات عن بعد، فمثل هذا الحوار المباشر هو الكفيل بالوصول إلى نقطة التقاء تحمى حرية الفن والإبداع، وتصون فى الوقت نفسه القيم والأخلاق العامة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة