د. مصطفى النجار

ثورة الفوتوشوب

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بينما كان المتهمون فى موقعة الجمل يخرجون من سجنهم بعد أحكام البراءة الجماعية التى حصلوا عليها، كانت الدماء تسيل فى نفس الوقت فى ميدان التحرير، ليس بين الثوار وأعداء الثورة بل بين من كانوا بالأمس شركاء الميدان ورفاق الثورة.

أقل من عامين هما عمر هذه الثورة التى سيبدأ المؤرخون فى إعادة تسميتها هل هى ثورة، أم انتفاضة وحركة احتجاجية كبيرة؟ ساهمت فى تحقيق بعض الإصلاحات الجزئية دون تغيير حقيقى فى بنية النظام أو ثقافة المجتمع.

خرج المتهمون فى موسم البراءة للجميع بعد أن تم طمس أدلة الاتهام والإدانة بمعرفة أذناب النظام وأدواته فى البطش والتزييف، ليس اللوم على القاضى الذى حكم، بل اللوم على من أعد أدلة الاتهام وفرغ القضية من مضمونها لتخرج بهذا الشكل.

ولم ينتظر بعض المتهمين الذين حصلوا على البراءة قليلا، حتى يبدأوا حياتهم من جديد بل انطلق بعضهم من اللحظة الأولى ليلعن الثوار والثورة ويتهمهم بالكذب وينكر وجود شهداء من الأصل فى موقعة الجمل، وكأن ما حدث يومها فى المعركة الفاصلة للثورة كان محض خيال البعض من الثوار، لم ينتظر هؤلاء بعض الوقت ليزيفوا الحقائق بل قرروا أن يعيدوا كتابة التاريخ كما يرونه من وجهة نظرهم، ولما لا؟ فالثوار يتقاتلون فيما بينهم وتسيل بينهم الدماء وهذا يخون هذا وهذا يتربص بذاك وبين الجميع تتراجع الثورة أكثر وأكثر لتصبح نسيا منسيا.

أصبح الثوار اليوم مسؤولين عن إثبات أن هناك شهداء قد سقطوا بين يديهم ولن نتعجب إذا أصبح الشهداء أنفسهم مطالبين بأن يعودوا للحياة ليخبرونا من قتلهم!!
ما يقرب من عامين منذ 25 يناير والقصاص العادل لا يتحقق وأسر الشهداء يفجعون يوما بعد يوم مع كل حكم براءة جديد يخرج ليبرئ ساحة المتهمين بقتل الثوار، وقد يكون بعضهم بريئا بالفعل، ولكن إذا كان الكل برىء فمن الذى قتل؟
أقسم الرئيس مرسى قبل الانتخابات الرئاسية بأن دم الثوار دين فى رقبته، فماذا فعل لهذا العهد؟ ألم يصبح اليوم مسيطرا على كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية؟ من الذى يمتلك الأدلة التى تحدد من القتلة؟ ثلاث جهات من المفترض أنها تعلم كل شىء عما حدث وهم: جهاز مباحث أمن الدولة والمخابرات الحربية والمخابرات العامة، فأين الأدلة ولماذا لا تخرج هذه الأجهزة ما لديها من تسجيلات ومعلومات؟ كل من كان فى ميدان التحرير يوم موقعة الجمل سواء عصرا أم مساءً يتذكر الكاميرات التى كان يمسك بها أشخاص يرتدون ملابس عسكرية ويقفون فى نوافذ بعض الأدوار العليا بالعمارات المواجهة للمتحف والميدان ويقومون بتصوير كامل لكل ما يحدث، فأين ذهبت هذه التسجيلات؟
لا يجب أن نلوم المتهمين الذين حصلوا على البراءة - وقد يكون بينهم بالفعل بعض الأبرياء - ولكن يجب أن نلوم من قام بإخفاء الحقيقة وطمس الأدلة ومن قصر فى بذل الجهد الكافى للوصول إلى هذه الأدلة ومن سكت عن طمسها حتى تموت الحقيقة.

المطلوب الآن من الرئيس مطالبة هذه الجهات الثلاث بإخراج ما لديها من معلومات وتسجيلات وفتح باب التحقيق من جديد. إن إغلاق ملف الشهداء دون تحقيق القصاص العادل سيترك جراحا غائرة فى نفوس أهالى الشهداء وفى نفوس الثوار، وسيظل هذا الغضب يتصاعد ويتزايد داخليا حتى ينفجر فى لحظة عشوائيا وفجائيا ليصبح طاقة تدمير وانتقام لا تبقى ولا تذر.

لا نريد إيذاء أبرياء ولا تجاوز دولة القانون ولكن نريد تحقيق العدالة، إن الثورة التى لن تستطع أن تقتص لدماء شهدائها هى ثورة لم تكتمل، سخروا من الحديث عن العدالة الانتقالية يوما وآلياتها ومنهم من قال نريد محاكمات استثنائية ومنهم من قال القانون العادى يكفى وها نحن لا وصلنا لهذا ولا ذاك.

إن دماء الشهداء ونظراتهم لعيوننا وأرواحهم تصعد لخالقها ستظل تنغص علينا حياتنا وتشعرنا بالعار والخجل، لأنهم قد ماتوا من أجل الدفاع عن حقوقنا وحريتنا، أما نحن فعاجزون عن تحقيق القصاص العادل لهم، فليتول الله أمرنا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة