د. نعمان جلال

إلى سعادة الرئيس.. دقت ساعة الاختيار والعمل الحقيقى

الجمعة، 28 ديسمبر 2012 05:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن هدأ الغبار المرتبط بالإعلان الدستورى والدستور والاستفتاء وكسب الرئيس الدكتور محمد مرسى وحزبه الجولة، سوف تبدأ مرحلة جديدة تبدو ملامحها فى تعزيز الانتصار بالتخلص من الخصوم فى المحكمة الدستورية، وفى الصحافة والإعلام، والهيئات القانونية، وإصدار تشريعات جديدة من مجلس الشورى الذى تسيطر عليه اتجاهات الإسلام السياسى.
وأعتقد كباحث ومراقب ومواطن مصرى أنه من الضرورى أن تحمل المرحلة الجديدة رؤية جديدة، وهى أن يختار الرئيس مرسى بين نماذج للقيادات السياسية فى العالم ونسوق بعضها:

الأول: نموذج مانديلا فى جنوب أفريقيا الذى قضى 27 عاماً فى سجن النظام العنصرى لجنوب إفريقيا، وعندما تم الإفراج عنه ونجح حزبه فى الوصول للسلطة وانهار النظام العنصرى أظهر ثلاث سمات: الأولى: التسامح والعفو عن خصومه بل عن أعدائه وكانت مبادرة الوفاق والمصالحة التاريخية، الثانية: التركيز على حقوق الشعب الجنوب إفريقى ذى الأغلبية السوداء، وأن يحصل على تلك الحقوق تباعا بالتدريج، والمحافظة على الأقلية البيضاء التى سبق أن انتهكت حقوق الأغلبية الثالثة: تقديم النموذج القيادى بالبقاء فى السلطة أربع سنوات ثم التخلى عنها، وترك الأمور للحزب الذى ينتمى إليه والذى قاده للنصر وتحرير البلاد، ومن ثم سمح بتداول السلطة وليس احتكارها حتى الممات، على غرار النموذج السائد فى كثير من الدول العربية والإفريقية ذات النظم الجمهورية والسعى لتوريثها لأبنائه أو أبناء عشيرته وقبيلته، إنموذج مانديلا هو أقرب إلى نماذج القديسين الأطهار وهو أقرب لنموذج غاندى فى الهند مع بعض الاختلاف فى التفاصيل.

النموذج الثانى: نموذج جواهر لال نهرو: وهو نموذج الحاكم الفيلسوف المؤمن بالحرية الاقتصادية والديمقراطية السياسية، ولذلك نجح نهرو فى جمع المسلمين الهنود، مع الهندوس ومع السيخ والبوذيين وغيرهم، وأصبح حزبه نموذجا للتعايش الدينى والعرقى، وفى نفس الوقت نموذجا للديمقراطية السياسية تحقيق التنمية الاقتصادية، بل ودعا للحياد الإيجابى وعدم الانحياز وللتعايش السلمى مع الدول المجاورة مثل الصين، وأكد نهرو ديمقراطيته من خلال ثلاث آليات الأولى: احترام قواعد اللعبة والدستور الاتحادى دون تغييرها، والعلاقة بين الولايات أو الأقاليم الهندية، ولم يتلاعب فى الإدارة، ولم يتدخل فيها، بل فاز حزب شيوعى فى كيرالا عبر صناديق الانتخابات ثم فى البنغال الغربية أيضا بينما الحكومة المركزية تنتمى لحزب الكونجرس الذى هو حزب نهرو ولم يفصل لهم قوانين خاصة للإطاحة بهم، أو الانتقام منهم، ولم يزوّر الانتخابات، أو نحو ذلك بل احترم إرادة الشعب الحقيقة دون إرهاب أو خداع.

الثانية: احترام إرادة الناخب بمصداقية عبر ترك العملية الانتخابية تديرها لجنة مستقلة رفيعة المستوى من قضاة مستقلين وشخصيات عامة ذات استقلال ومصداقية وطنية لا سيطرة، ولا دور للإدارة المركزية فى قراراتها، وهى التى تقرر من له الحق التصويت، ومن له الترشيح، ومتى يتم عقد الانتخابات أو تأجيلها، دون تدخل من السلطة المركزية، بقيادة نهرو هو ما أوجد خلافا جوهريا بين الوضع فى الهند.

والأوضاع فى دولة مجاورة لها بسبب التشدد الدينى، مما أدى إلى إضعاف الدولة ونظامها السياسى والديمقراطى وأدى ذلك للتدخل من القوات المسلحة فى النظام السياسى فى الدول المجاورة فضاعت الديمقراطية، وسيطر العسكريون على السلطة بوسائل عديدة وساد الفكر المتطرف والاغتيال للمخالفين فى المذهب أو الدين.

الثالثة: احترام أدوار المؤسسات الرئيسية فى المجتمع وهى القضاء المستقل بناء على مبدأ الفصل بين السلطات والقوات المسلحة والإعلام وعدم السعى لفرض عناصر معينة فى تلك الأجهزة أو فى السلك الدبلوماسى والتركيز على مبدأ الاحتراف المهنى ولهذا تألقت الهند وتحولت من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة تكنولوجيا واكبر ديمقراطية فى العالم.
النموذج الثالث: نموذج رجب طيب أردوغان، وهو النموذج الإسلامى المعتدل العقلانى الذى يعيش العصر ويحترم قضاياه ويسعى للاندماج فى أوروبا، كقوة صاعدة، ويعدل قوانين الدولة لتعزيز الحريات وحقوق الإنسان لتكون على مستوى المعايير الأوربية، واحترام المرأة، واحترام الأقليات، وتحويل السياسة الخارجية لما أسماه داوود أوغلو وزير خارجيته المثقف والعالم صاحب الرؤية إلى سياسة خارجية بلا مشاكل مع أى من دول الجوار ومواجهة الفساد والرشوة وتحقيق معدل تنمية مرتفع، وجعل تركيا ضمن الدول العشرين اقتصادياً فى العالم، هذا النموذج التركى تحقق فى خمس سنوات فقط من حكم أردوغان قبل أن تظهر مشاكل سوريا والأكراد، وبعد ذلك تم تعديل قوانين عديدة، بما فى ذلك تعديل الدستور بالإرادة الحرة للشعب والاقتناع التام منه بإنجازات حزب العدالة والتنمية، بما يجعل السيادة للسلطة المدنية المنتخبة على القوات المسلحة ويضمن حيادها وحرفيتها ولم يسع للسيطرة عليها، أو التغلغل فى صفوفها، أو فى صفوف الشرطة أو القضاء لقد عمل أردوغان وحزبه الإسلامى المعتدل على تقديم نموذج سياسى حضارى، وحقق التنمية والحريات، قبل أن يسعى لتعديل وضع القوات المسلحة ولكنه فى نفس الوقت لم يغير من التوجه الرئيسى للدولة كنظام علمانى وضع أسسه أبو تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، ليس باعتبار النظام العلمانى نظاما كافرا أو ضد الدين وإنما بالصورة الصحيحة للعلمانية، وهى أنها نظام سياسى محايد بالنسبة للدين ومنع تدخله فى السياسة أو تدخل السياسة فى الدين ومن ثم منع استخدام الشعارات الدينية لخداع الشعب وتشويه صورة الخصوم، وأن يكون التنافس السياسى على أساس برامج سياسية وليس أفكار دينية لها قدسيتها وينبغى الحفاظ على هذه القدسية.
النموذج الرابع هو نموذج دنج سياو بنج فى الصين الذى أطلق عام 1978 مبادرة الإصلاح والانفتاح لتوحيد صفوف الشعب الصينى، بعد أن مزقته الثورة الثقافية فى أواخر عهد ماو تسى تونج، ونظر للعالم بأنه فرصة للعمل والتنمية وليس للصراع والعداء واعتمد سياسة الإنتاج لرفع مستوى المعيشة وإصلاح التعليم والثقافة ومحاربة الفساد ورفع مستوى المعيشة، واستطاع هذا النموذج فى غضون عشر سنوات أن يرفع الصين لمصاف الدول الغنية وأن تتحول فى غضون عشرين عاما إلى القوة الثانية اقتصاديا على مستوى العالم وسعى لإنهاء حالة استحواذ الحزب الشيوعى الصينى على مقاليد الدولة وفرضه الرأى الواحد أى الحد من سيطرة حزب شيوعى شمولى ذى تاريخ ونضالى ضد الأعداء الذين احتلوا الصين وضد الإقطاع الذى سيطر على البلاد وأضعفها والاتجاه للتعددية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووصولا للتعددية السياسية فى مرحلة لاحقة.

النموذج الخامس: وهو النموذج التقليدى فى الدول العربية والأفريقية، وهو النموذج القائم على الإقصاء للآخر، والانتقام منه وزيادة الفساد واستقلال السلطة وتحويل الشعب إلى كتلة بشرية، تدور حول نفسها عبر المعاناة الاقتصادية، والضرائب بدلا من إطلاق صناعات وإنتاج وخدمات التساؤل.

الآن أى من هذه النماذج الأربعة سوف يتبنى الرئيس مرسى؟
إننى أتوقع أن الإجابة التقليدية على هذا السؤال، تقول إن مصر لها خصوصيتها وإنها ليست الهند أو تركيا أو جنوب أفريقيا، وأعتقد أن مثل هذه الإجابات التقليدية لها جانب من المصداقية لأن لكل دولة خصائصها، ولكنها أيضا تنطوى على جانب من السلبية فى عدم الاستفادة من تجارب الآخرين، كما تنطوى على قدر من الغرور التقليدى لقيادات عديدة فى الدول النامية، أتمنى أن ينظر الرئيس مرسى فى النماذج الأربعة الأولى ويتوصل إلى خلطة مناسبة لتحقيق التقدم والوئام والتنمية والديمقراطية الحقة للشعب المصرى.

* باحث فى الدراسات الإستراتيجية الدولية








مشاركة

التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

د/ صلاح الدين كساب

تحية لهذا الكاتب المحترم

عدد الردود 0

بواسطة:

sohaib

كلام موضوعى جدا

ياريت كل المعارضة تكون بنائه بالشكل ده

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة