فى مصر فقط يمكن أن تشاهد خلال فترة قصيرة إعادة وتكرار لنفس المشاهد السياسية المملة بنفس تفاصيلها، فى مصر فقط يستطيع بعضهم أن يعيش فى وهم ويصدقه ويظل يروج له رغم أن كل البديهيات تؤكد أنه وهم لا محالة.
مع انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وصدور الحكم على مبارك والعادلى وتبرئة قيادات الداخلية من تهم قتل الثوار، انتفض الكثير من الميادين فى أنحاء مصر بأصوات غاضبة تستنكر إهدار دماء الشهداء عبر هذه المحاكمات الهزلية ومثلت هذه الانتفاضة رسالة قوية للجميع وهى أن الثورة مستمرة.
وكالعادة طفا على السطح بعض الأشخاص الذين بدأوا فى إعادة تقديم فكرة الوهم الكبير المسماة بالمجلس الرئاسى المدنى تلك الفكرة الهلامية التى لا تستند إلى أى منطق، ولا يعرف حتى من يروج لها وكيف يتم تطبيقها فعليا على الأرض، بل كان الأخطر من ذلك مناداة البعض بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وإيقاف مرحلة الإعادة لتشكيل هذا المجلس العبقرى الذى سيحكم مصر، بعد أن يتم تعيينه من قبل مجموعة من المتظاهرين ومجموعة من النخبة الحالمة التى لا علاقة لها بمصر العميقة الممتدة جنوبا وشمالا.
الأمر المؤسف أن يتم إيهام الشباب الثائر بأفكار خيالية لن يتعاطف معها الشعب وسيلفظ من يتبناها، ولكل من يتبنى هذه الفكرة أتوجه بعدة أسئلة أتمنى أن أجد لها إجابة:
هل سيوافق الشعب المصرى على إلغاء نتائج الانتخابات وإلغاء انتخابات الإعادة لأى سبب بعد أن كانت الانتخابات هى أول انتخابات رئاسية حقيقية غير مزورة فى تاريخ مصر وانتظرها الشعب طويلا؟
هل سيتنازل المرشحان اللذان وصلا للإعادة عن حقهما الطبيعى فى التنافس على منصب الرئيس ويتركان الأمر طواعية لمجموعة أخرى – أيا كانت قيمتها – لتحل محل الرئيس دون أن تخوض انتخابات ليختارها الشعب وعلى الشعب أن يرضى بهذا التعيين الجماعى الذى تقوم به مجموعة لا تتعدى %5 من المصريين أو أقل من ذلك بكثير؟
هل سيوافق الإخوان المسلمون على الاشتراك فى المجلس الرئاسى بعد أن تصدر مرشحهم الانتخابات، ويستعد لخوض الإعادة خلال أيام؟ وإذا لم يرض الإخوان، هل من الممكن أن يتم تشكيل المجلس المزعوم بدون الإخوان، وهم يمثلون أغلبية برلمانية اختارها الشعب فى انتخابات سليمة أهدتهم موقع الأغلبية فى غرفتى البرلمان؟
هل الانقلاب على نتائج الانتخابات التى لم تروق لنا نتائجها يعد دعما للديمقراطية وتحقيقا لأهداف الثورة التى قامت من أجل إرساء الديمقراطية وترسيخ آليات التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الانتخابات؟
لقد أفرط الكثير من الثوار فى التحذير من تحول نموذج الثورة المصرية إلى النموذج الرومانى، ولكن يبدو أن بعضهم مصمم على نقل الثورة المصرية لما هو أسوأ من النموذج الرومانى بكثير، بسبب استعدائهم المستمر للشعب والتعالى عليه ومحاولة فرض أوضاع غريبة عليه لا تستند إلى منطق ولا حجة.
وبعيدا عن الأسئلة المنطقية المبدئية أحب أن أسأل السادة الكرام دعاة الفكرة الخارقة، إذا تم تعيين هذه القيادة الجماعية رغما عن الشعب وبدون انتخابات، كيف ستكون آلية اتخاذ القرار ونحن نعلم أن الساسة فى مصر لا يتفق فيهم اثنان على فكرة واحدة، فلمن يكون القرار إذن وماذا لو انشقوا على بعضهم البعض وتناحروا وأعلن كل واحد فيهم أنه الرئيس وشكل مجلسا مدنيا رئاسيا تحت قيادته وقام بتخوين الآخرين والطعن فى إخلاصهم وولائهم للوطن؟
إن التعامل مع الواقع وقراءة مفرداته أصعب بكثير من الاستسهال وطرح خيالات لن يكون لها مكان إلا فى أذهان أصحابها، هناك برلمان منتخب ومرشحو رئاسة يخوضون معركة الإعادة قريبا، وهناك شعب يريد تسليم السلطة وإنهاء الفترة الانتقالية بأى شكل مهما كان شخص الرئيس القادم.
بدلا من السعى نحو المستحي
ل أتمنى أن تتركز الجهود الآن على إنشاء كيانات حزبية قوية تلتحم بالناس وتستعد للانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة مع الضغط على البرلمان لإصدار قوانين تحقق العدالة الثورية وتعيد حقوق الشهداء والقصاص لكل صاحب حق، تأخر الثوار يوما بعد يوم عن قراءة الواقع والهروب للخيال يخرجهم عن المشهد ودائرة التأثير ليختفى صوت الثورة للأبد ويعاد إنتاج النظام القديم ولكن بشرعية ديمقراطية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmad
مراهقة سياسية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
انا مش اخوان ولكن مؤيد للدكتور/ محمد مرسي
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed
كمل جميلك و إدعي الثور للاصطفاف خلف مرسي
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الغندور
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
Rania
اخيرا في حد بيفهم
اصل للاسف السياسيين في وادي و الشعب في وادي
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب
يعنى سيادتك دخلت البرلمان لتساعد الثوره التى ناصرتك فاذا بك تصدر الفتاوى والاحباطات
عدد الردود 0
بواسطة:
AbO_HaNi
كلام عاقل
عدد الردود 0
بواسطة:
d/ tharwat
تحيه واجبه
بالفعل تفكير منطقى وعاقل جدا وياريت يفهموه
عدد الردود 0
بواسطة:
3ebs
أول مرة أسمع منك كلام يعجبني
أخيراً في حد ناوي يفهم!
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى ناصف
بالمثل ايضا