مع كل حادثة جديدة من حوادث انهيار العمارات القديمة والجديدة المخالفة وسقوط ضحايا أبرياء تتعالى الأصوات حول ضرورة مراجعة مخالفات البناء ووضع حد لهذه الفوضى التى تعتبر قنبلة موقوتة تخرج لنا بعضا من شظاياها كل فترة.
وكالعادة تهدأ الضجة وينسى الناس إلى أن نستيقظ على كارثة جديدة يموت فيها مواطنون مصريون جدد نتيجة هذا العبث واللامبالاة، استغل بعض من ماتت ضمائرهم حالة الانفلات الأمنى التى أعقبت الثورة وحالة الرخاوة التى أصابت الدولة ليقوموا بأكبر موجة من البناء المخالف فى تاريخ مصر فى كل مكان سواء على الأراضى الزراعية أو فى الأحياء العشوائية وكذلك فى أغلب المدن.
لم تكن الكارثة فى مخالفة قواعد وقوانين البناء فقط بل الكارثة الأكبر أن عددا كبيرا من هؤلاء طاوعته نفسه على تجاوز الحد الأدنى من أساسيات البناء الآمن سواء فى اختيار حديد التسليح كما وكيفا وكذلك نسب مواد البناء نفسها من أسمنت ورمل وكذلك المدة الطبيعية لإنهاء البناء وصب الأسقف.
سارع هؤلاء بتخطى كل هذه المبادئ الأساسية ليستغلوا فترة الغياب الأمنى ويصنعوا واقعا جديدا يمثل قنبلة موقوتة ستنفجر خلال فترة قصيرة بانهيارات وتصدعات سيكون ضحيتها آلاف المواطنين الأبرياء.
للأسف ساهم ضعف الجهاز الإدارى والأمنى فى نجاح هؤلاء فى تشويه مصر وتعريض حياة أبنائها للخطر، كما أن موروث الفساد فى المحليات ساعد على تقنين أوضاع الكثير من هذه القنابل الموقوتة.
كم المخالفات الكارثية لا يمكن حصره حتى أنه تجاوز الثمانين ألف مخالفة فى محافظة الاسكندرية وحدها خلال عام ونصف، ولذلك يجب أن ندير الأزمة الآن بشكل مختلف، فالمسكنات لن تجدى والسكوت أو التغاضى بسبب العجز هو شراكة فى جريمة كاملة تزهق فيها أرواح كثير من البشر.
نحتاج إلى حملة قومية تبدأ من نقابة المهندسين وكليات الهندسة بالتعاون مع المحليات ووزارة الإسكان لعمل لجان قومية بكل محافظة تقوم برفع الواقع وتحديد درجة المخاطر والتعامل الفورى معها بلا أية مجاملات.
تقنين الأوضاع مع العقارات التى لا تتوفر فيها شروط السلامة هو جريمة فى حق المجتمع، وترك العمارات الشاهقة المخالفة التى تتوافر فيها شروط السلامة بلا كهرباء أو غاز ومنع دخول المرافق عنها أيضا أمر عبثى، إذا لم نستطع تنفيذ قرار إزالة هذه العمارات وصارت أمرا واقعا وتم تسكينها فيجب التعامل واقعيا مع هذا المشهد وإفادة خزانة الدولة بالدخل الذى سيتم توريده إليها بعد تقنين هذه الأوضاع بشرط سلامة البناء وصلاحيته هندسيا.
إننا لا ندعو إلى إهدار القانون، ولكن ندعو للتعامل مع الواقع لإنهاء هذه الكارثة، كل ما خالف بناؤه شروط السلامة ويعرض الناس للخطر يجب إزالته فورا بلا تردد، أما المخالف الذى لن نستطيع واقعيا إزالته يجب إنهاء وضعه المؤقت -بشرط السلامة- بدلا من تحرير مخالفات ومحاضر بشكل دورى لا يستفيد منها إلا من صار بقاء هذا الوضع الشاذ يمثل لهم مصدرا للارتزاق الحرام من موظفى الدولة.
كارثة الإسكندرية تدق ناقوس الخطر وتفتح الباب لمزيد من الكوارث التى ستجعل مصر وطنا آيلا للسقوط خلال سنوات، درجة الأولوية القصوى يجب أن تكون هى درجة التعامل الحالى مع هذه الكارثة، والإبطاء فى التعامل مع الملف بجدية بأسلوب علمى لإدارة الكوارث والأزمات سيضاعف المشكلة.
تضامن جميع أجهزة الدولة وتكاتفها للخروج من هذه الأزمة وتغيير الواقع المرير شرط للنجاح، كما أن الإرادة السياسية يجب أن تقترن بهذه الجهود والتعامل مع الملف على أنه أحد ملفات الأمن القومى لمصر.
حل هذه المشكلة سيحافظ على ما تبقى من رقعة زراعية فى مصر وسينقذ آلاف الأرواح التى ستواجه خطر الموت كل يوم إذا لم يتم حل المشكلة، وكذلك سيدخل لخزانة الدولة عشرات المليارات من الجنيهات التى ستساعد فى استكمال مسيرة التنمية فى مصر، نتمنى أن نرى بداية جادة ومشروعا قوميا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د إيهاب بكر
الألغام المنتشرة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
لن امل من تحذير المسئولين