تظل إشكالية الخطاب الدينى المرتبط بالسياسة إحدى الإشكاليات الكبرى عند الإسلاميين وتظل العلاقة بين الدين والسياسة علاقة ملتبسة، بها كثير من الإقحام وتحميل الدين أوزار السياسة وآفاتها كون الإسلام عقيدة وشريعة أمرا ليس محل خلاف، ولكن فهم هذه الشريعة التى تنظم حياة البشر وفق تعاليم الدين هو محل الاختلاف، فهم الشريعة والأحكام هو فهم متغير ونسبى يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف واجتهادات السلف الصالح وعلماء المسلمين فى القرون الأولى هى اجتهادات بشرية أجابت عن أسئلة واحتياجات عصرها الماضى، ولكنها لا تعنى بالضرورة صلاحيتها لعصور أخرى وظروف مختلفة.. التنظير الفقهى لمسألة الخلافة هو اجتهاد بشرى محض من بعض الفقهاء، بل إن الإسلام نفسه لم يحدد نظاما معينا للحكم يصلح كنموذج إجبارى يجب أن يلتزم به المسلمون حتى قيام الساعة، وإنما كانت رحمة الله فى كتابه الكريم أن أرسى قواعد ومبادئ عامة تمثل الأطر الأساسية والأخلاقية لنظام الحكم ومسؤولية الحاكم مثل الشورى والعدالة والمساءلة.
تقريبا فى أغلب ساحات صلاة عيد الفطر التى نظمها الإخوان المسلمون أو السلفيون تحدثت الخطبة عن انتصار الإسلام وأن نجاح الرئيس مرسى هو بداية انتصار الدين وحكم الشريعة وأنه الخطوة الأولى لإعادة الخلافة الإسلامية الراشدة!!
واستشهد الخطيب الذى حضرت معه صلاة العيد فى إحدى ساحات الصلاة بالإسكندرية بحديث الرسول «ص»: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». مخاطبة الجماهير بهذا الخطاب والذى بدا شبه موحد فى أغلب الخطب فى المحافظات المختلفة تشير إلى مشكلة الخطاب الذى يتبناه الإسلاميون لمداعبة المشاعر عند الجماهير وإثارة خيالهم بأمجاد تاريخية وفترات زمنية لا علاقة لها بما نحن فيه الآن ولا تشبه من قريب أو بعيد وضعنا الحالى.
الهروب من مرارة الواقع المرير بمشاكله وتحدياته للحديث عن ماض لم يكن أصلا نموذجيا فى أغلب أوقاته باستثناء فترات قصيرة فى أنظمة الحكم التى أعقبت وفاة الرسول «ص» هو أمر مثير للدهشة، وإذا كنت لا أنكر على أى شخص قراءة الحاضر كما يحب ولكننى أنكر أن يظل التصور لمسألة الخلافة هو نفس التصور التاريخى الذى كانت أغلب فتراته لا علاقة لها بمضمون الإسلام ولا العدالة ولا الممارسات الديمقراطية، قد نحاول الاستفادة من نماذج توحد إقليمية ناجحة مثل تجربة الاتحاد الأوروبى وغيرها، وقد نطور نماذج للشراكة السياسية والاقتصادية بين الدول العربية والإسلامية تقوم على أساس المصالح المشتركة، وقد نطلق خيالنا لما هو أبعد، ولكن الانتظار فى ردهات الماضى وخنادقه دون النظر لتغير الظروف والاحتياجات والأفكار هو أمر مثير للقلق، روجوا وبشروا الناس بالخلافة الراشدة ولكن قولوا لنا ما هو شكل هذه الخلافة؟ وكيف ستتحقق؟ وماذا سيستفيد منها المواطن المصرى؟ وكيف يطمئن غير المسلم وهو يسمع لمثل هذه الخطب؟
أتمنى أن ينتبه الإسلاميون بجميع أطيافهم إلى مشكلة أزمة الفكر التى صارت واضحة جلية والتى تتسبب فى إنتاج مثل هذا الخطاب، أتمنى أن أرى نشاطا واجتهادا فكريا وسياسيا يعيد به الإسلاميون تقديم أنفسهم وأفكارهم إلى المجتمع، ولكن عبر إدراك أن لكل عصر ظروفه واحتياجاته.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم
مقال رائع
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
الرئيس مرسي والرئاسة الراشدة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الشرقية مهندس مدنى سابق الاحداث
للنجار :::::::::::: اقرأ القادم ::::::::
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حمودة
لماذا لم ينشر ردي ؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق سويفى
الى التعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
100%
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد شعبان
لا تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
وهل الكلام على الخلافة يتنافي مع الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم
عدد الردود 0
بواسطة:
محسن محمود
الى التعليق رقم 7 و ليس للجدال
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ابراهيم
فزلكة فاضية و خلاص