د. نعمان جلال

المصداقية ضرورة لتأكيد الإيمان بالوطن وسيادة القانون

الجمعة، 11 يناير 2013 10:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ورد فى الأثر المنسوب للنبى صلى الله عليه وسلم "إن المرء يكذب فيصدقه الناس وهو يعلم أنه كاذب، ثم يكذب فيكذبه الناس وهو يعلم أنه كاذب، ثم يكذب فيصدق نفسه ويكذبه الناس، هذا النموذج من الفكر الإسلامى الصحيح هو الذى جعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول آيات المنافق ثلاثة "إذا حدث كذب، إذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف"، وفى رواية أخرى آيات المنافق خمس، وأضاف للثلاثة السابق "إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".

وفى الثقافة الإنجليزية أعجبت كثيرا منذ الصغر بالمقولة: "إن الرضا الذاتى عن النفس ليس هو الدين، وبالنص الإنجليزى "Self-righteousness is not religion" لقد اعتدنا كمثقفين على أن السياسيين يكذبون لاعتبارات دعائية وسياسية وانتخابية، ولكن أن يكذب المثقفون فهذه فضيحة، ويتجلى كذب المثقفين عندما اخترع أحدهم المقولة" إننى لا أكذب ولكننى أتجمل"، ثم تطور الأمر فى الكذب إلى قطاع يفترض ألا يكذب، وهم رجال الدين الذين يفتون بما يحقق مصالحهم فيحللون الحرام، ويحرمون الحلال، خذ مثالا على ذلك فتاوى البنوك الإسلامية وخاصة فتاوى قروض صندوق النقد الدولى التى أطلقتها بعض الأحزاب والقوى الإسلامية قبل الوصول للسلطة وبعدها، حيث نجد التناقض الواضح.

ثم انتقلنا لمرحلة أكثر تقدما إذ تحول قطاع جديد للكذب وهو الإعلام الصحفى الرسمى وشبه الرسم، فضلا عن الصحافة الحزبية المؤدلجة، والأكثر سوءا الإعلام الجديد للتواصل الاجتماعى، فلا حدود للكذب ولا ضوابط للمصداقية. ونسوق مثالا فى جريدة الأهرام يوم 2 يناير 2013م العناوين الرئيسية "البنوك تحقق أرباحا قياسية.. القيمة الادخارية للجنيه أعلى من القيمة الادخارية للدولار.. زيادة الودائع.. والسيولة 600 مليار جنيه، ومقال آخر كتبه رئيس تحرير الأهرام، وهو شخصية محترمة، ولكن قلمه وحماسه ربما خاناه فى مقال افتتاحى بعنوان: "آن للبرادعى والقرضاوى أن يخرسا"، مما اضطر أنصار الدكتور يوسف القرضاوى، للرد عليه، ومحاولة الدفاع عن القرضاوى بصورة لافتة للنظر، بالتفرقة بينه وبين البرادعى: ولا شك أن القرضاوى قامة فقهية ودينية كبيرة، وهو لا يحتاج لمن يدافع عنه، خاصة إذا كانوا من ذوى العقول الساذجة الذين يدافعون عن سيدهم بشتيمة الآخر كما أن البرادعى قامة مهنية وقانونية دولية معترف به عالميا، ما أدى لحصوله على جائزة نوبل لعمله من أجل السلام.. وسقطات الأهرام كثيرة خاصة بالنسبة للبرادعى عندما كتب رئيس تحرير سابق للأهرام مقالا يقول فيه "إن البرادعى لم يكن متفوقا علميا عندما كان فى المدارس، وكان من آخر دفعته فى امتحانات السلك الدبلوماسى، وهذه معلومات بغض النظر عن صحتها أو عدمه فإنها لا تعيب الإنسان، وخاصة شخصية مثل البرادعى، وربما أعطتها بعض أجهزة الأمن، التى تعتمد على المخبرين محدودى الذكاء، للصحفى المحترم، الذى نشرها بلا تفكير وبلا تدبر لعواقب الأمور.

إن الصحفى عندما ينشر مقالا أو يضع عنوانا رئيسا فى جريدته عليه أن يفكر عشر مرات فى حقيقة المعلومة، وفى آثارها، وفى ردود فعلها، وفى مصداقيته أيضا.

للأسف بعض الصحفيين الذين يطلق عليه صحفيون كبار، وقعوا فى مثل تلك الأخطاء والسقطات الفادحة التى جعلت المواطن المصرى البسيط لا يصدق ما ينشرونه، حتى لو كان صحيحا، ويردد المواطن العادى المقولة المشهورة: "هذا كلام جرائد" وتوازيها مقولة أخرى "هذا كلام سياسيين" وهذا كلام "رجال دين من فقهاء السلطان" وأيضا رجال القانون، فيقول "هؤلاء ترزية القوانين" كان ذلك فى عهد النظام أو بالأحرى الأنظمة السابقة على ثورة 25 يناير، وتجدد الأمر بنفس وروح جديدتين فى النظام القائم بعد ثورة 25 يناير، وهو ما كان ينبغى ألا يحدث، وقد خرج علينا فقهاء كبار فى القانون وفى الدين وفى القضاء، يكذبون ويتصورون أن الناس يصدقونهم، فيتحدث البعض عن الدستور الذى حصل على توافق وتصويت شبه إجماعى فى معظم مواده فى اللجنة التأسيسية وتأييد شعبى، وأنه أحسن دستور فى العالم، ونقول كما يقول المثل المشهور أين حمرتك أيها الخجل؟ ويتحدث البعض عن قانون الانتخابات الذى أقر بالحوار الوطنى الذى قاطعته جبهة الإنقاذ وقراراته ويتصور البعض أنهم بذلك يلغون دور المجلس التشريعى الذى أعضائه معظمهم من نفس تيار الإسلام السياسى، والذى انتقد بعضهم هذا التصور واعتبروه تهميشا لدور المجلس التشريعى، كما عقد أحد كبار المسئولين فى الرئاسة استقالته ثم تكتشف أن الدستور الجديد ألغى المنصب وهذا بذاته يماثل إلغاء المنصب فى عهد مبارك وإن كان بطريقة عملية وليست دستورية.

المشكلة أن بعض المسئولين يتصور أن الشعب جاهل أو مغيب ولا يعرفون أنه فى عهد السموات المفتوحة وعهد الإنترنت، لا يمكن إخفاء الحقائق لفترة طويلة.

سبحانه الله، إن بعض المسئولين يقللون من ذكاء الشعب المصرى، والواقع أن الشعب المصرى أكثر ذكاء من كثير من بعض رجال السياسة وبعض فقهاء القانون وبعض رجال الدين وبعض رجال الإعلام وبعض المثقفين وأثبت ذلك بثورة 25 يناير للرد على ما ذكره بعض رجال مبارك من الأكاديميين بأن الشعب لا يريد ديمقراطية وأنه غير مؤهل لذلك وأنه لا طلب على الديمقراطية فى مصر أو فى العالم العربى، هكذا فتاوى بعض المثقفين والسياسيين والأكاديميين لتبرير وتزيين مواقف الإمبراطور، كما فى الرواية الدانمركية المعنونة (زى الإمبراطور) والتى ظهرت فى القرن التاسع عشر، وهى تقوم على فتح مستشارى السلطان وكذبهم ونفاقهم واكتشاف طفل صغير للحقيقة لأنه برىء وساذج عندما رأى الإمبراطور يسير عاريا فى الشارع، ويتصور أنه يرتدى أحسن ثياب تحميه من القتل وتوفر له ربما الحماية الأبدية وقبول الشعب.

إن الشعب المصرى يدرك بحكمته التاريخية منذ أيام الفراعنة العظام، أنهم أقاموا تراثا حضاريا وثقافيا، وشيدوا صرح دولة عظيمة، وهذا واضح فى تراثهم الذى ما زال قائما عبر آلاف السنين، ولكن بعض السياسيين الجدد، والإسلاميين الجدد يرغبون فى هدم هذا التراث، رغم أن الإسلام نهى عن ذلك، ولم يفعله عمرو بن العاص عندما فتح مصر، ولم يفعله الفاتحون العرب المسلمون عندما دخلوا الهند، وتركوا آثارها العظيمة كذلك فعل المسلمون الواعون بقيمة التراث وأهميته بترك تماثيل بوذا فى أفغانستان، ولكن المسلمين الجدد مثل الأثرياء الجدد، من محدثى النعمة ومحدثى الثقافة، ذاكرتهم ضعيفة، ومعلوماتهم ضحلة، ولا يعرفون سوى التركيز على ذاتيتهم وتضخيمها، وتحويل الحاكم إلى دكتاتور مستبد، ولا أقول إلى فرعون، لأن الفراعنة العظام كانوا أكثر حكمة وأكثر عدلا وأكثر حرية، ولعل فى قصة الفلاح الفصيح الذى شكا للحاكم الفرعون ظلم عماله فى الأقاليم خير دليل على ذلك.

إننى أقول لأمثال هؤلاء من رجال الإعلام والمثقفين والقانونيين ورجال القضاء ورجال الدين قليل من الصدق والأمانة العلمية يصلح المجتمعات، وأرجو أن يقرءوا التاريخ الصحيح فى عهد الخلفاء الراشدين الأربعة ليعرفوا كيف كان الصحابة يتعاملون مع بعضهم بعضا ومع باقى المسلمين وكيف كانوا يفكرون ويتصرفون مع من ينتقدونهم، رغم أن المجتمعات آنذاك لم تكن بلغت التقدم المادى والحضارى الذى نعيشه الآن.

إن بعض الصحف التى كانت تتمتع بمصداقية كبيرة فى الماضى، عليها أن تعيد حساباتها وتعيد تثقيف كبار المسئولين فيها فى معنى الإعلام الصادق، وفى كيفية كتابة الخبر الصحيح، وكيفية تقديم التحليل على أساس من المسئولية والأمانة أعتقد أن بعض رجال الإعلام ورجال السياسة ورجال الدين ورجال القانون يعيشون فكرا عفى عليه الزمن، ن يعيدوا تثقيف أنفسهم بفكر العالم المعاصر ويجتهدوا بأمانة وعلم كما فعل أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وابن رشد والفارابي وابن سينا وابن خلدون وغيرهم حتى تستعيد هذه الأمة العربية الإسلامية تراثها وحضارتها العظيمة كما أن بعض حكامنا الذين يدعون الانتماء للإسلام عليهم أن يستذكروا أحاديث النبى الكريم: "إن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده" وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن المسلم ليس شتاما ولا لعانا "ويستذكروا قول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن"، وقول الله تعالى واصفا نبيه الكريم "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

ونقول للذين يشككون فى قضاة المحكمة الدستورية ويدعون تدخلها فى السياسة، ووضعوا لها مواد جديدة ومبتكرة فى الدستور لاستبعاد بعض أعضائها ممن لا يرضون عنهم، أن يقرأوا النبأ القادم من البرتغال فى يوم 2 يناير 2013 والذى نصه "الرئيس البرتغالى يعتزم أن يرفع ميزانية البلاد إلى المحكمة الدستورية نتيجة الجدل الذى حدث بشأنها، وكذلك النبأ القائل إنه خلال عام 2012 حكمت المحكمة الدستورية فى لشبونه ضد خفض أجور موظفى الخدمة المدنية، ما اضطر الحكومة إلى البحث عن مصادر بديلة للدخل.

إن المحكمة الدستورية فى أية دولة هى حامية الحريات والحقوق، وهى تصدر أحكامها بناء على النصوص وروحها ومقاصدها بما سيحقق للشعب أمنه واستقراره ومصالحه.

* باحث فى الدراسات الإستراتيجية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة