تشير الإحصائيات المقارنة التى أجريت على نسبة المشاركة السياسية عقب الثورة إلى انخفاض نسبة المشاركة بشكل ملحوظ فى كل عملية انتخابية تمت حتى الآن، وبلغ هذا التراجع ذروته فى الاستفتاء الدستورى الأخير.. دوافع انخفاض نسبة التصويت تعود بشكل أساسى إلى حالة الإحباط العام التى تسيطر على قطاعات واسعة من المصريين إزاء العملية السياسية برمتها، حالة الصراع السياسى المحتدمة والتطاحن الإعلامى المستمر ترسل للناس رسائل سلبية تقتل فيهم الأحلام الوردية التى عاشوها أثناء وعقب الثورة وهم ينتظرون أن تتغير مصر للأفضل. ذهب المصريون مرات عديدة إلى صناديق الانتخابات وهم ينتظرون الاستقرار وتحسن الوضع الاقتصادى ولكن لم يحدث ذلك، ضجيج مستمر بلا إنجاز وبلا تغير ملموس فى حياة الناس اليومية.
ليس هناك ما يشجع كثيرا من المصريين على الذهاب لصناديق الانتخابات مرة أخرى وفى هذا يكمن الخطر من ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة التى ستأتى بأخطر برلمان فى تاريخ مصر، لأنه سيقوم ببناء منظومة تشريعية جديدة بالكامل فى إطار الدستور الذى تم إقراره ولقى استنكارا شديدا لما احتواه من مواد تفتح الباب لمخاطر عديدة ومختلفة، لذلك فالمعركة الأولى قبل معركة اختيار المرشحين هى معركة رفع نسبة المشاركة واقناع الملايين - التى قاطعت الاستفتاء - والتى تمثل ثلثى الهيئة الناخبة بأهمية المشاركة وهذا واجب جميع القوى السياسية بلا استثناء.
لن تنزل الجماهير إلى عملية انتخابية يخترق الشك مصداقيتها بسبب غياب الضمانات الكاملة لشفافيتها، وإحساس الناس بأن أصواتها قد يتم العبث بها بأى شكل يخمد رغبتهم فى المشاركة، كما لن تتحمس الجماهير لانتخاب سياسيين يتبارزون طوال الوقت ويهاجمون بعضهم البعض دون أن يكون محل المبارزة بينهم التنافس فى تقديم الحلول لمشاكل الشعب وتضميد جراحه. ملّ الشعب من كل النخب بكل انتماءاتها وتعمقت الفجوة بداخله تجاه هؤلاء، الشعور بالاغتراب داخل الوطن يزداد ويدفع إما للتفكير فى الرحيل أو الانكفاء على الذات والتقوقع على الحياة الشخصية بعيدا عن الشأن العام وهمومه. روح يناير تحتضر وتصارع الموت ولكنها مازالت لم تمت وتحتاج إلى من يوقظها ويجدد توهجها، استعادة ثقة الناس هى الخطوة الأولى لضمان مشاركتهم وإحياء روحهم وآمالهم فى وطن مشرق يؤمنون بأن مشاركتهم فى بنائه سيكون لها قيمة وتأثير.
تذكروا عقب الثورة عيون الشباب والفتيات الذين انطلقوا ينظفون شوارع مصر ويحلمون لها، تذكروا كم المبادرات التنموية الرائعة التى أعقبت الثورة وكلها تحمل صيغا للمستقبل وتبشر به، تذكروا هذه الروح وابحثوا عنها، أين ذهبت ولماذا خفت بريقها؟
أصابع الاتهام تشير إلى أهل السياسة الذين أرهقوا الناس بصراعاتهم ومتاهاتهم، لم يستطيعوا استيعاب هذه الطاقات والعقول المبدعة والعزيمة المتوقدة والحلم الثائر، فتساقط الكثيرون من أهل العطاء فى كل مستويات المشاركة، والمشاركة لا تعنى أبدا النزول لصناديق الاقتراع فقط بل المشاركة أكبر من ذلك بكثير، هل تتخيل شعبا ينام أبناؤه وهم يحلمون كل ليلة بما سيصنعون غدا لوطنهم؟ أيا كان مجال العمل والعطاء والإنجاز، فكل مواطن يفكر كيف ستكون إضافته لهذا الوطن وما هى بصمته؟ تخيل هذه الروح إن سادت كيف سنرى مصر معها؟.. هى دعوة لأهل السياسة أن يتوقفوا عن المشاركة - ولو بلا قصد - فى قتل أحلام البناء، فهذا هو الرصيد الحقيقى والاستراتيجى للوطن، طمئنوا الناس وقولوا لهم إننا نستطيع أن نعمل معا من أجل مصر، وأن الوطن ليس مغنما نتقاسمه، بل مسؤولية كبرى نتحملها ونتشارك فيها، هيئوا المناخ للبناء وأعطوا الثقة للعقول المهاجرة التى تود العودة للمشاركة والبذل ولكنها تتردد وهى تتابع المشهد من بعيد. سيمضى كل السياسيين بأحزابهم وتياراتهم وشخوصهم وستبقى مصر تحتاج ليد تبنى وتنمى وصوت عقل وإخلاص ومسؤولية يهتم بالمصريين وأوجاعهم قبل أن يهتم بحزبه أو جماعته أو شخصه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوكريم
حتى وان كانت المشاركة كبيرة فماذا بعد ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
الذين يقدرون المسئولية الان هم الاسلاميون