د. نعمان جلال

تأملات الذكرى الثانية لثورة 25 يناير

الجمعة، 25 يناير 2013 06:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمر الأيام والسنون سراعاً وتأتى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، وهى حدث مهم يستحق الإشادة والإعجاب للإنجاز الذى حققه الشعب المصرى بكافة طوائفه، وفى نفس الوقت تتيح المناسبة فرصة للتأمل فى دلالات الحدث، وما أعقبه من تداعيات تثير القلق، إذ تكاد تتشابه فى بعض جوانبها مع ثورة 14 يوليو 1787 فى فرنسا.

الأولى: نجاح الثورة الشعبية فى الإطاحة بالنظام الاستبدادى القديم، وفى التخلص من ركائزه، وهذا إنجاز عظيم يذكرنا بثورة 14 يوليو فى فرنسا، وقد مهد المثقفون والكتاب لذلك، وقاد الثورة جيل الشباب، وقامت القوات المسلحة بحمايتها ثم انضمت الأحزاب والقوى السياسية الأخرى.

الثانية: إن الشعب الذى استطاع بفضل وعيه الحضارى التخلص من الحكم الاستبدادى عجز عن بناء النظام الجديد، وانزلق إلى صراع داخلى ممتد بلا توقف، وهو فى ذلك يتشابه مع الثورة الفرنسية أيضاً التى أريقت فيها دماء غزيرة وصراع بين أجنحة الثورة.

الثالثة: تأكيد المقولة أو ما يطلق عليه القانون السياسى العلمى للثورات الشعبية أن الثورة، بعد نجاحها، تأكل أبناءها، وهذا للأسف ما يحدث فى مصر الآن، وتتولى ذلك ثلاث قوى بالغة الخطورة.

أولها: قوة الشباب المتدفقة التى دفعها قدامى السياسيين للاستمرار فى الاعتصام، ونسيان الواجب المهم فى اللحظة المناسبة، وهو واجب العمل والإنتاج، مما أدى إلى حالة من شبه الانهيار الاقتصادى.

ثانيها: تصارع القوى والأحزاب السياسية عبر التوالد والانشقاق، وهذا يعكس محدودية الرؤية، وضعف القيادات السياسية لهذه القوى، وتساؤلات أخرى ترتبط بالانسياق وراء بعض المغانم، والطموحات الشخصية، وإلقاء نظرة على الوضع المصرى، نجد كل حزب ينشق إلى اثنين أو ثلاثة، فحركة 6 إبريل، التى بدأت ثورية فى عهد قمع النظام السابق، انشقت لعدة أجنحة، وحزب الدكتور البرادعى ثار الشباب ضد قرارات القيادة، وحزب الوفد كذلك، والسلفيون انقسموا لعدة أحزاب، وانشق حزب النور، وأطاح بقيادته التى أقامت حزباً جديداً، والإخوان المسلمون تجمع عدد من المنشقين القدامى وبعض الجدد، ليكونوا جماعة جديدة، واتهموا الحركة الأصلية، بالتخلى عن الدعوة، والتركيز على السياسة، وأبرزوا أنهم يسعون لإعادة الحركة لأصولها التى وضعها الإمام الشهيد حسن البنا.

ثالثها: محدودية الرؤية للقيادات السياسية، التى تركز على الاستيلاء على مفاصل الدولة، وهو أمر لمن لديه رؤية سليمة تعد أولوية متأخرة، وكان على هذه القيادات أن تركز على تحقيق إنجازات فى الأمن، وفى الاقتصاد وفى الإصلاح الإدارى، وهذا ما حدث فى التجربة التركية والتجربة الماليزية فى عهد مهاتير محمد والتجربة الإندونيسية بعد الإطاحة بسوهارتو.

أتمنى أن تأخذ ثورة 25 يناير والقيادات السياسية للدولة العبرة من الإخفاق والتشتت الفكرى للثورة الفرنسية، ولا تنساق فى صراعات تثير الشكوك فى سعيها لنشر الثورة فى دول عربية أخرى، وهذا للأسف ما فعلته الثورة الفرنسية، وما فعلته الثورة الإسلامية الإيرانية التى وقعت فى ثلاثة أخطاء، أولها رفع شعار تصدير الثورة، وثانيها الانتقام من النظام القديم، وثالثها تدمير ركائز السلطة فى النظام القديم، وبناء سلطات وأجهزة موازية، فالباسيج والحرس الثورى أصبحا بديلين لسلطة الشرطة والقوات المسلحة، ولجنة تشخيص مصلحة النظام أصبحت البديل للأمن السياسى.

إن مسئولية قيادة مصر هى أمام شعب مصر، الذى اختارها عبر صناديق الانتخاب، وأسند إليها مهمة إعادة النظام الأمنى، وبناء النظام الاقتصادى ثم السياسى.

إننى أتمنى أن يعيد السياسيون، حكاما ومعارضين، أحزابا وجماعات، ممن يرفعون شعارات دينية أو مدنية، النظر فى مواقفهم وتصرفاتهم وقراراتهم، ويعملون من أجل شعب مصر، ومن أجل الأمن الحقيقى، وليس أمن تلك النخب السياسية الحاكمة أو المعارضة على حد سواء، فالصراع سوف يؤدى لتدمير الأوطان، وتخريب الاقتصاد، وإشاعة عدم الأمن والاستقرار، ولن تبقى سلطة لمن يتطلع للسلطة، ولا مجال للمعارضة لمن يتطلع للمعارضة.

وختاماً نقول، حمى الله مصر من أى انحراف من قيادتها السياسية، حاكمة ومعارضة، وحمى الله شعب مصر من انزلاق ثورته للمجهول.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة