د. نعمان جلال

وداعًا نيلسون مانديلا حكيم أفريقيا والعالم

الأحد، 15 ديسمبر 2013 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد انتقل نيلسون مانديلا للرفيق الأعلى بعد حياة حافلة بالعطاء وتقديمه نموذجًا للإنسان المعبر عن ثلاثة من المبادئ السامية:
الأول: النضال فى سبيل الحق والمبدأ وتحرير شعبه فى جنوب أفريقيا حتى حصل على حقوقه كاملة وتم سقوط النظام العنصرى البغيض لقد جاء مانديلا لهذه الدنيا ووطنه ضائع وشعبه مضطهد وتركها ووطنه مرفوع الرأس وشعبه يعيش التسامح والسلام والتقدم.
الثاني: تقديم تجسيد للمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة فى الصفح عند المقدرة وفى الدعوة للتسامح وحقًا فإنه كان نموذجًا مثاليًا وتعبيرًا عن قول الله تعالى " فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم". (سورة البقرة الآية 109) فقد صفح عمن اضطهدوه ووضعوه فى السجن 27 عامًا وخرج وقلبه صافيًا خاليًا من الغل والحقد ضد أعدائه، بل ودعا شعبه للتسامح معهم وأكد أن الوطن للجميع من السود والبيض وبذلك جنب شعبه من كل الألوان والأعراق حربًا أهلية دامية وأنشأ لجنة الحقيقة والمصالحة التى أسند رئاستها للقس الجنوب أفريقى دزموند توتو واستطاعت اللجنة إعادة اللحمة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية وكان منهجها العفو وأطلق شعاره "نتسامح ولكن لا ننسى" هذا الشعار الجميل اقتدت به الصين نسبيًا ووضعته فى متحف أثار العدوان اليابانى فى مدينة نانجينج.

الثالث: الزهد فى الدنيا ومغانمها ولذلك تولى السلطة مرة واحدة لمدة خمس فى الفترة من سنة1994-1999 ثم تخلى عنها ضاربًا المثل والنموذج والقدرة بالنسبة لرجل السياسة الإنسان ورجل الدولة الحريص على مبدأ تداول السلطة وكان يمكنه أن يظل فيها طوال حياته، كما يفعل كثيرون فى دول العالم الثالث.

إن نيلسون مانديلا يعد نموذجًا مجسدًا للمبادئ الإلهية فى التعامل البشرى وهى مبادئ لم يجسدها بحقها سوى الأنبياء والرسل أما معظم البشر العاديون مهما كانت سماتهم، فلم يصلوا إلى مستوى تجسيد مانديلا للقيم والمبادئ التى دعا إليها الله سبحانه وتعالى فى مختلف الأديان، وحقا قال الإمام محمد عبده إثر عودته من فرنسا عندما سئل عن تلك البلاد فقال: "رأيت فى فرنسا إسلامًا بلا مسلمين ورأيت فى بلادنا مسلمين بلا إسلام"
أين أنت يا مانديلا من أولئك المسلمين الذين هددوا ونفذوا تهديدهم بحرق أوطانهم وتدمير تراثه وتشريد شعبه، حبًا فى السلطة، وحرصًا عليها بأى ثمن. إن كثيرًا من قادة الدول العربية والإسلامية للأسف قدموا النموذج العكسى سواء سعيًا للسلطة أو حرصًا على الحفاظ عليها والتمسك بها، فهم بئس النموذج، فى حين أنت نعم النموذج، الذى ظل يخدم وطنه وشعبه بإيمان راسخ لا يلين، وهو فى السجن ثم وهو فى السلطة ثم عندما رغب عن السلطة وتخلى عنها طواعية حقًا هذا هو النموذج السليم الذى دعانا الله بحكمته لأن نقتدى به فى التسامح والعفو عند المقدرة والزهد عن الدنيا والعمل بتفان والإيثار وحقًا إننا نجد بئس النموذج فى بلادنا العربية والإسلامية حيث نكره الآخر ونظهر الأنانية ونعيث فى الفساد ونتمسك بالسلطة طمعًا وشراهة، فلسنا بمسلمين حقًا، وإنما نحن مسلمون بالاسم دون المضمون وبعيدًا عن الجوهر.
أيها الإنسان الحق والنموذج الصادق نيلسون مانديلا إن نموذجكم استحق عند الموت أن يحتفى به شعبه، وأن يكون موضع اهتمام من قادة العالم، وإن معظم الذين لم يشاركوا فى توديعكم هم أولئك الخائفون والمرجفون والطغاة البعيدون عن النموذج الديمقراطى والنموذج الإنسانى السليم والذين يحقدون على نموذجكم لأنه يفضحهم ويكشف سوءاتهم كما كشف ابن آدم سوءة أخيه وقتله حقدًا عليه.
إننى أتذكر لقاءكم فى الصين عندما زرتها رئيسًا لدولتكم الفتية وكنت أنا ممثلاً لدولتى مصر الحبيبة صاحبة الحضارة العريقة وأقارن بين سلوككم وسلوك الطغاة من بلادنا العربية والإسلامية، وبخاصة من بلادى مصر وحكامها السابقين الذين لم يتخلوا عن السلطة إلا بإحدى الوسيلتين الموت قتلاً أو قضاء، أو الإطاحة بهم بواسطة قوة قاهرة، وهم الذين أعلن بعض حكامها أنه سيحول أرضها إلى محروقة من أجل السلطة للأسف باسم الإسلام أو باسم السيادة الوطنية كما هو حادث فى الشقيقة سوريا وغيرها.
إننى أتذكر حديثكم معى بتواضع، وإشادتكم بمصر ودورها الأفريقى، وكذلك أتذكر إشادتكم بزميلتى الدكتورة مشيرة خطاب سفيرة مصر آنذاك لدى بلادكم، وتساءلت بعد ذلك فى نفسى كم من رئيس دولة أو مسئول كبير استقبلته فى مواقع مختلفة وسلمت عليه أو بالأحرى صافحنى بنوع من التعالى والغرور، ولم يبلغنى رسالة تقدير للإنسان نتيجة عمله كتلك التى طلبت منى إبلاغها لقيادة مصر آنذاك عن سفيرتها فى جنوب أفريقيا.
هنيئًا لكم يا ابن أفريقيا بل أنت ابن القيم الإنسانية والمثل العليا التى عبر عنها تاريخ البشرية جمعاء، ورسالات السماء كلها فى أحسن صورها، وطبت فى حياتكم كما فى مماتكم وحقًا قال الإمام الشافعي:
قد مات قوم وماتت مكارمهم وعاش قوم وهم بين الناس أموات.
فإن مكارمكم ونموذجكم سيظل نبراسًا للملايين من بنى البشر على مر العصور.
واختتم هذا المقال بالإعراب عن الأسف أن مصر صاحبة العراقة والوفاء على مر العصور لم ترتفع لمستوى التواجد فى وداعكم رغم أن مصر وجنوب أفريقيا هما شريكا نضال أفريقى مع إدراكى أن محمد فائق صديقكم الوزير الأسبق ورئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية كان حاضرًا وحمل اسم مصر فى هذه المناسبة أما صديقكم الآخر الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة ربما منعه المرض من الحضور. ولكننى كمواطن مصرى أجد أن المسئولين فى بلادى فى هذه اللحظة لم يكونوا على مستوى الحدث رغم معرفتى بكثرة مشاغلهم حاليًا وأيضًا بوجود حساسيات لدى بعض السياسيين المصريين من بعض مواقف جنوب أفريقيا وربما بعض مواقفكم شخصيًا فى السنوات الأخيرة ولكن كنت أتمنى ألا تترك هذه الحساسية أثرها على قرار إنسانى وسياسى حكيم فى هذه المناسبة الأفريقية والعالمية الإنسانية المهمة.
* خبير الدراسات الإستراتيجية الدولية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة