د. نعمان جلال

لمسة وفاء لأستاذ الدبلوماسية المصرية عصمت عبد المجيد

الجمعة، 27 ديسمبر 2013 05:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنه من الصعب الكتابة فى مقال موجز عن شخصية بحجم الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد، أمين عام جامعة الدول العربية نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق، ولكننى سوف أشير فقط لبعض من الوقائع التى كنت شخصيا طرفا فيها مثل هذه الوقائع قد لا يعرفها كثيرون، ولكنها تدل بوضوح على خصائص ذاتية لهذه الشخصية المتميزة.

ولعل أول تلك الوقائع هو توليه منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بعد هزيمة عام 1967م واستطاع أن يطورها، ويقدم منهجا جديدا للمتحدث الرسمى باسم الدولة بحكم ما لديه من خبرة دبلوماسية ومؤهلات قانونية وحكمة شخصية، وكنت آنذاك دبلوماسيا ناشئاً وتابعت ذلك عن كثب، فأثار ذلك إعجابى أسلوبه فى التعامل مع الإعلام والتعريف بقضايا الوطن ومشاكله آنذاك، وكنت عملت معه لفترة وجيزة كمدير مكتب نائب وزير الخارجية عام 1967م، الواقعة الثانية عندما عملت فى مكتبه وكان وزيراً للخارجية ثم نائباً لرئيس الوزراء، وتمت ثلاث وقائع ذات دلالة أولها عندما طلب منى أن أعد له بعض الكلمات فى مناقشة إحدى رسائل الدكتوراه التى كان يشرف عليها بجامعة الإسكندرية آنذاك، والثانية عندما طلب منى إعداد بيان له عن السياسة الخارجية لإلقائه فى مؤتمر عام للحزب، وأدى هذان الأمران إلى تقارب الرؤى والتفكير بيننا مع احترام فارق الخبرة والسن والمنصب، الواقعة الثالثة وكان فيها اختبار لى وله، فقد كنت كثير الكتابة فى الصحف آنذاك عن السياسة الخارجية وغيرها من الموضوعات الوطنية العامة، وكتبت مقالا أشيد فيه بسياسة الوزير إسماعيل فهمى، ولم يكن وزيراً آنذاك، ولم يكن لى أدنى علاقة شخصية به، وانتقدت فيه سياسة الدكتور محمود فوزى، وكان الدكتور عصمت عبد المجيد هو تلميذ للدكتور محمود فوزى، ووثيق الصلة به وحللت توجهات السياسة الخارجية، وكذلك أوضاع الوزارة من الناحية الإدارية، وأشاد كثير من زملائى بالمقال، ولكن بعض أعضاء الوزارة من الإداريين رأوا أن فيه مساسا بهم وحاولوا الوقيعة بين الدكتور عصمت وبينى باعتبارى مستشاراً بالوزارة وفى مكتبه، ورغم ذلك فإننى انتقد أستاذ الدبلوماسية المصرية محمود فوزى، وقدموا شكوى مكتوبة ضدى للدكتور عصمت فوضعها فى الدرج، ولم يفاتحنى إلا بعد أسبوعين أو ثلاثة بطريقة عرضية، حيث كنت فى اجتماع بينه وبين أحد الشخصيات الأجنبية، طلب منى أن أعود إليه بعد توديع تلك الشخصية، وعندما عدت طلب منى الجلوس، وذكر لى الشكوى بأسلوب بالغ الهدوء فسألته هل ترغب فى عدم كتابتى فى الصحف؟ فرد بحزم بلى اكتب باستمرار، فسألته هل ترى أن أعرض عليه المقال قبل إرساله للصحف؟ فقال كلا افعل ما تشاء كما تريد.

وأضاف أن كل ما يطلبه منى هو قراءة المقال مرة ثانية، وحبذا فى اليوم التالى، لكتابته قبل إرساله للصحافة لكى أتأكد إذا كان فيه ما يسىء لأى شخص بلا مبرر، وكان ذلك درسا بليغا سبق أن قاله لى زميله السفير جمال نجيب الذى هو أيضا تلميذ لمحمود فوزى.

وعمل مديراً لمكتبه وكان ذلك فى واقعة مشابهة، حيث نصحنى بشىء مماثل عندما كنت أبدى حزما أو تشددا فى إدارتى للسفارة بالنرويج بصفتى الرجل الثانى معه، أو عندما كنت أدلى بتصريحات قوية للصحافة النرويجية بدافع وطنى دون تقدير لردود فعل بعض المعارضين فى النرويج لمصر والمؤيدين لسياسة إسرائيل.

وفى عملى مندوبا دائما لمصر لدى جامعة الدول العربية وكان الدكتور عصمت عبد المجيد أمينا عاما لها كنت وثيق الصلة به ودائما أشاوره فى المواقف، وأتلقى توجيهاته كأستاذ ورائد من رواد الدبلوماسية المصرية، ولكننى وفى نفس الوقت لم أتوان عن نقد جامعة الدول العربية وأنشطتها وإدارتها وكتبت كتابا أصدرته من مؤسسة الأهرام، متضمنا ذاك وأعطيته نسخة إهداء له، ولكنه لم يعاتبنى ولم يغضب، وكان حليما وكان رصينا وكان معلما هادئا بلا انفعال، إلا فى حالة المساس بالوطن ومصالحه فهو يغضب ولا يغضب أبدا لنفسه، رحمة الله الواسعة على الدكتور عصمت عبد المجيد، فهو نموذج فريد فى الدبلوماسية والإنسانية فنعم الدبلوماسى ونعم الإنسان.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة