د. مصطفى النجار

إلى أين تمضى مصر؟.. سيناريوهات المستقبل

الجمعة، 15 مارس 2013 01:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل ما حولنا من أحداث ومشاهدات يخبرنا أن هناك دولة تسير بخطى متسارعة إلى التفكك والانهيار ومن لا يدرك ذلك يتغافل الواقع مثله مثل مؤسسة الرئاسة ومن خلفها جماعة الإخوان المسلمين التى مازالت ترى أن كل ما يحدث هو نتيجة مؤامرات ودسائس تهدف لإسقاط نظام الإخوان حتى وصف أحد قيادييهم الوضع الراهن بأنه مجرد زكام سيزول مع الوقت.
السؤال الذى تسمعه فى كل مكان إلى أين تسير مصر؟ وهو سؤال صعب للغاية وسط التغيرات السريعة والحادة التى يمر بها المشهد السياسى، وأطرح فى هذا المقال تصورات مستقبلية قد تمثل السيناريوهات المتوقعة.
أولا: قد يستمر الرئيس فى تجاهل الوضع المحتقن اعتقادا منه ومن جماعة الإخوان وحلفائها أنهم يمكنهم تجاوز حالة الاحتقان والغضب بمرور بعض الوقت وهذه استراتيجية خاطئة تشبه الطبيب غير المحنك الذى يفرح بالالتئام الجزئى للجرح مع وجود صديد بداخله فيخدعه هذا الالتئام ولكن سرعان ما ينفجر الجرح فى وجهه بمزيد من القيح والألم والغضب من المريض لأنه لم يعالج أصل المرض، هذا السيناريو لن يعالج أسباب الاحتقان الحقيقية وسيزيد الصدام بالشارع بدوافع سياسية ستصاحبها احتجاجات الغضب الاجتماعى المقترن بأسباب اقتصادية بسبب الانهيار الاقتصادى الوشيك، ومشاكل يومية مثل نقص السولار وغيرها وحتى إذا تم عمل انتخابات برلمانية فى غضون شهرين سيتحول الغضب إلى البرلمان القادم مثله مثل مؤسسة الرئاسة والوزارة الحالية بالتوازى مع غضب المؤسسة القضائية التى مازالت مشكلة النائب العام تمثل لها تحديا وسببا لانفجار قادم وكذلك جهاز الشرطة الذى تمثل الاحتجاجات المتصاعدة بداخله خطورة شديدة على تماسكه، وبتفاعل كل هذه العوامل ستتسع دائرة الاحتقان والمواجهات وسينضم لها شرائح أخرى على خط الاحتجاج السياسى والاجتماعى وسيتم التعامل معها بحلول أمنية فقط مما سيوصل النظام إلى حالة فقد السيطرة التامة التى سيصحبها انهيار كامل للأمن ستظهر معه جرائم منظمة على أيدى مجموعات جريمة منظمة ستتحول البلاد بعدها إلى كانتونات يفرض عليها الوصاية مجموعات مسلحة غير مركزية لن يستطيع فتات المؤسسة الأمنية المنهارة – حينها – منعهم ولن تستطيع المؤسسة العسكرية – إذا قررت النزول أو تم استدعاؤها – التعامل معهم لأنها مؤسسة قتالية وليست أمنية ولم تتعود على هذا الشكل من المواجهات التى ستشبه حرب الشوارع، وهذا السيناريو قائم على حياد المؤسسة العسكرية الكامل وعدم تدخل أطراف خارجية للضغط فى أى اتجاه.
ثانيا: نفس معطيات السيناريو الأول مع تغير عنصر واحد وهو تدخل المؤسسة العسكرية وأطراف أخرى فى لحظة ما للضغط لعمل انتخابات رئاسية مبكرة قبل حدوث حالة الفوضى وتفكك الدولة التى ستؤدى لها معطيات السيناريو الأول مع حدوث تفاهمات مع الإخوان وحلفائهم من القوى الدينية لقبول هذا الاتفاق وعدم الخروج عليه وهو ما سيؤدى إلى إنتاج نظام جديد يحتل فيه الإخوان موقع المعارضة التى تؤمن بالعمل السياسى السلمى وتنبذ العمل العنيف.
ثالثا: نفس معطيات السيناريو الأول والثانى مع عدم حدوث تفاهم مع الإخوان والقوى الدينية خاصة التى مارست أعمال عنف قبل ذلك وهذا سيؤدى إلى تغير أدوات الصراع والتنافس التى ستكون قوة السلاح عاملا مشتركا فيها وقد تشهد مصر مواجهات دامية تتسبب فى قتل الآلاف على غرار الحرب الأهلية التى شهدتها الجزائر عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التى فاز فيها الإسلاميون فى بداية التسعينيات وأسفرت المواجهات التى استمرت نحو 10 سنوات إلى مقتل ما يزيد عن 100 ألف مواطن جزائرى.
رابعا: إذا أدركت مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان خطورة الموقف وضرورة عمل مصالحة وطنية شاملة مع كل من تم استعداؤهم خلال الشهور الماضية من قضاة وقوى سياسية وأهالى مدن القناة وغيرهم، سيقدم الرئيس على تغيير الحكومة دون انتظار للبرلمان القادم وسيوقف مسلسل الأخونة المتواصل وتقنين الوضع القانونى لجماعة الإخوان، وسيعمل على حل مشكلة النائب العام والتعامل مع ملف هيكلة وإصلاح الداخلية وتلبية المطالب المشروعة لأفراد وضباط الجهاز الأمنى مع عمل حوار جاد مع القوى السياسية الفاعلة ويتم الاتفاق فيه على قواعد العملية السياسية وسبل الخروج من الأزمة الاقتصادية وهذا بالتالى سيغير من الصورة الذهنية السلبية الحالية لمصر فى الخارج وسيفتح الباب لانتعاش اقتصادى متدرج سيساعد النظام فى تهدئة الاحتجاجات الاجتماعية وتحقيق استقرار نسبى يمكن الانطلاق منه لتنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادى والاجتماعى التى سترفع نسبة التأييد للرئيس وحزبه خاصة إذا تم مراجعة ملف العدالة الانتقالية بشكل يعيد لأصحاب الحقوق حقوقهم ويصلح ما مضى من بطء وفشل أدى لاشتعال نار الغضب فى نفوس الكثيرين وهذا هو السيناريو النموذجى.
خامسا: إذا استطاع الرئيس تهدئة الشارع نسبيا عبر الرهان على الوقت وإنهاك قوى الاحتجاج مع تحسن أداء المؤسسة الأمنية نسبيا بشكل يشعر المواطن بوجود الدولة وتماسكها مع تجاهل مطالب القوى السياسية والسعى الحثيث لعمل الانتخابات البرلمانية قبل تهيئة الأجواء مع استمرار التراجع الاقتصادى واستمرار حدة المشاكل اليومية التى يعانى منها الوطن سيدفع الإخوان ثمنا غاليا فى الانتخابات القادمة إذا خاضتها المعارضة موحدة وستتمكن المعارضة من تشكيل الحكومة القادمة عبر ائتلاف مع بعض المستقلين أو قوى سلفية مناوئة الآن للإخوان وستجبر الرئيس على تغيير كثير من سياساته بصلاحياتها وأدائها الجيد الذى سيتوقف على مدى كفاءتها وبنائها لبديل حقيقى وتعاملها بشكل جرىء وعلمى مع الملفات الساخنة التى تؤرق المواطن مما سيمهد للمعارضة اكتساح الانتخابات الرئاسية القادمة بمرشح رئاسى جديد تتوافق عليه.
سادسا: استمرار فشل الرئاسة وجماعة الإخوان مع سيطرتهم النسبية على الأوضاع ومقاليد الحكم وفشل المعارضة فى حسم المعركة السياسية أو بناء تيار شعبى ضاغط واستمرار الدعم الخارجى للنظام حفاظا على الاستقرار الهش والمعادلة الإقليمية مع بقاء المؤسسة العسكرية على الحياد ودخول مصر لحالة الدولة الفاشلة مع بداية تكون نخبة سياسية جديدة قوامها الأساسى من الشباب الذين سيستطيعون حسم المعركة عبر المسار السياسى بالتوازى مع ورقة الضغط الثورى الشعبى ليخفت بريق جماعة الإخوان وكذلك تنتهى مرحلة المعارضة الحالية برموزها التقليدية وتدخل مصر بعدها لمرحلة جديدة.
فى ضوء كل الاحتمالات السابقة هناك حاجة للتأكيد على عدة بديهيات:
1 - عودة المؤسسة العسكرية لمعترك السياسة لن تكون مثل ما مضى والسياسيون الذين ينادون بعودة الجيش لحكم البلاد لعجزهم عن إسقاط النظام سياسيا أو ثوريا يرتكبون خطيئة لا يدركون خطورتها وقد تتسبب فى تمزق المؤسسة العسكرية التى يبقى تماسكها وتوحدها ضمانة أساسية لبقاء الدولة المصرية لذا يجب أن تكف هذه الأصوات عن العبث وأن يبقى الجيش المصرى بعيدا عن صراعات السياسة.
2 - تنظيم الإخوان وحلفاؤهم لن يستطيع مواجهة حالة الغضب الشعبى الجمعى الذى إذا انفجر سيحرق الأخضر واليابس ولن تهمه الكلفة والتضحية فهل الإخوان مستعدون لسفك دماء عشرات الآلاف من المصريين؟!
3 - معركة بناء البديل هى التحدى الأكبر لكل قوة سياسية تريد أن تصل بهذا الوطن إلى بر الأمان وهى المهمة الصعبة التى لم يقم بها أحد حتى الآن فهل ستستطيع القوى الشبابية إنجاز ما عجز الكبار عنه؟ أم سيستمر مسلسل الإخفاق؟
حفظ الله مصر من كل سوء








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة