قطب العربى

التطهير الذاتى بين الإعلام والقضاء

الخميس، 25 أبريل 2013 06:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الشعب يريد تطهير القضاء"، "الشعب يريد تطهير الإعلام"، "الشعب يريد تطهير الداخلية" هتافات صدح بها الثوار، وعبروا عنها بلافتات وشعارات فى ميدان التحرير وكل ميادين الثورة فى مصر إبان الأيام الثمانى عشر للثورة وما تلاها من مليونيات، وكانت الهتافات والشعارات مصحوبة بتعليق صور كبيرة لنماذج من رموز حكم مبارك الأكثر فجاجة فى هذه المجالات، وعقب التنحى مباشرة بدأت على الفور عمليات التطهير فى وزارة الداخلية باستبعاد عشرات اللواءات والعمداء وإحالتهم للتقاعد، أو نقل الكثيرين منهم إلى مواقع أخرى، وتناوب على الوزارة خمسة وزراء منذ الثورة وحتى الآن فى أكبر معدل لتغيير وزراء الداخلية فى التاريخ المصرى، كما تم إنهاء دور جهاز أمن الدولة الذى كان أحد أسباب ثورة 25 يناير وحل محله الأمن الوطنى بطريقة عمل جديدة، تقتصر على جمع المعلومات.

أما الإعلام فقد كان سريع التجاوب أيضا مع مطالب التغيير، وبدأت حركة التطهير من داخله، إذ لم تكد تمضى أيام قليلة على تنحى مبارك حتى عقد الصحفيون اجتماعا مهما كان مقررا له أن يكون جمعية عمومية طارئة، وتم خلال الاجتماع إبعاد نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد وهو أحد رموز نظام مبارك عن موقعه، ليحل محله وكيل النقابة صلاح عبد المقصود، وتم طرد مكرم من النقابة بطريقة مهينة من قبل بعض الصحفيين اليساريين والناصريين، وخلال تلك الفترة اندلعت فى المؤسسات الصحفية القومية روح الثورة لتطيح بعدد من رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات، كما تم طرد رئيس قطاع الأخبار فى التليفزيون الرسمى من ماسبيرو، وتم اقتحام مكاتب بعض الرؤساء واخراجهم منها إلى غير رجعة، كما تم التحفظ على صناديق من الأوراق والمستندات لبعض المسئولين قبل أن يتم نقلها خارج المؤسسات، واختفت طواعية بعض الوجوه الإعلامية للنظام السابق، وتم تغيير معظم القيادات الصحفية تجاوبا مع الحالة الثورية فى المؤسسات، وقبل هذه الإجراءات تمكنت بعض الرموز الصحفية الكبرى لنظام مبارك من الهرب خارج البلاد، وهم موضوعون الآن على قوائم ترقب الوصول تمهيدا لمحاكمتهم على جرائم الفساد المالى والإدارى التى ارتكبوها من قبل وتسببت فى خسائر بملايين لمؤسساتهم، كما قامت الأجهزة القضائية بملاحقة بعض الرموز الفاسدة وأجبرتها على رد الملايين من الأموال التى حصلت عليها بغير وجه حق، ولايزال الكثيرون فى مرحلة الملاحقة القضائية حتى الآن.

هكذا تحرك الإعلاميون والصحفيون، أو بالأحرى قطاع كبير منهم لتطهير صفوفهم بأنفسهم، ليقدموا بذلك نموذجا فى التطهير الذاتى دون الحاجة لتدخل سلطة أخرى، وهو ما كان الشعب ينتظره من القضاة، حيث عانى القضاء كغيره من الهيئات من الفساد وشيوع ثقافة التوريث، والانحياز للنظام الجائر فى الكثير من أحكامه، وهو ما دفع ذلك النظام لرد الجميل عبر مد السن للقضاة أكثر من مرة، إضافة الى مضاعفة الميزات المادية والمعنوية الأخرى، وحين قعت الثورة ونادى الثوار بتطهير القضاء كان الأمل معقودا أن يتحرك القضاة لتطهير أنفسهم خاصة أن تيار الاستقلال القضائى كان من طليعة الثوار، بل كان ممن مهدوا لهذه الثورة فى وقفات 2006، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل حدث العكس تماما ففى حين طرد الصحفيون نقيبا حسبوه على نظام مبارك، غذ بالقضاة يعيدون انتخاب رئيس لناديهم هو أيضا من أخلص رجال مبارك، وفى حين نجح الصحفيون فى إبعاد الرؤساء الكبار فى مؤسساتهم، إذ بهؤلاء الرؤساء فى الهيئة القضائية يستميتون على كراسيهم، ولا أدل على ذلك من المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الذى كان إبعاده مطلبا قويا للثوار، وكانت صوره تملأ الميدان مطالبه بهذا الإبعاد، فإذ به يصر على البقاء متحديا إرادة الجماهير، وحتى حين وفرت له الرئاسة مكانا بديلا كسفير فى دول الفاتيكان رفض هذا المخرج المشرف، ما دفع رئيس الدولة إلى إصدار إعلان دستورى كان من آثاره ابعاده عن موقعه تنفيذا لتلك الإرادة الشعبية.

ورغم أن أصابع الاتهام أشارت إلى العديد من القضاة ممن زوروا الانتخابات فى عهد مبارك، أو ممن تربحوا من عملهم بطريقة غير مشروعة، أو من الذين أصبحوا جزءا من الثورة المضادة إلا أن المجلس الأعلى للقضاء لم يتحرك لمساءلتهم، وليس أدل على ذلك من البلاغات المقدمة ضد رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند، بل والنائب العام السابق أيضا عبد المجيد محمود لحصوله على هدايا من المؤسسات الصحفية بطريقة غير مشروعة، ورغم أنه قام بردها بمجرد اكتشاف أمرها إلا أن ذلك لايعفيه من المساءلة.

لقد انتفض القضاة لمجرد تقديم حزب الوسط مقترحا بتعديل قانون السلطة القضائية تضمن خفضا لسن الإحالة للمعاش من 70 عاما إلى 60 عاما ليتساوى القضاة مع بقية الموظفين العمومين فى الدولة، واعتبروا ذلك مذبحة جديدة للقضاة استحضارا لمذبحة 1969 التى أطاح فيها الرئيس عبد الناصر بعدد كبير من رموز القضاة، ومن الممكن تفهم تلك الغضبة القضائية خشية تكرار الماضى الأليم، وحرصا على هيبة العدالة، وتقديرا لدور قطاع كبير من القضاة فى التمهيد للثورة، ومن الأفضل أن يتم إرجاء تعديل قانون السلطة القضائية وطرحه لنقاش مجتمعى عام يكون القضاة أنفسهم فى طليعته، وهو ما أتوقع حدوثه بالفعل، ولكن فى المقابل ننتظر من القضاة إصلاحا أو تطهيرا ذاتيا من العناصر المتهمة بالفساد والمرتبطة بالثورة المضادة والتى لوثت الثوب القضائى النظيف.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة