د. نعمان جلال

حوار مع صديقى الخليجى

الجمعة، 10 مايو 2013 11:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما التقيت بهذا الصديق سألنى ما هى أخبار مصر وكيف ترى أوضاعها الحالية؟

أجبت بأدب أنها بخير، ولكن أحداث مصر ضخمة، ومشاكلها ضخمة، وسكانها يتمتعون بروح الفكاهة، رغم صعوبة المواقف وتحدياتها. إن مصر تعيش فى هذه المرحلة سنوات صعبة ولكن هذا تكرر فى تاريخها القديم والحديث، ولعل فى مرحلة الجفاف والقحط والقسوة فى السنوات العجاف التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى سورة يوسف خير دليل. ومع ذلك فإنه سرعان ما تنهض مصر من كبوتها وتسترد عافيتها وهذا ما يحدث فى تاريخ الأمم والشعوب بصور مختلفة.

وسألت صديقى الخليجى العربى ماذا عن أخبار الخليج العربى؟ وما هى توقعاته للمستقبل الخليجى؟ فأجابنى أن الخليج العربى بخير فالنهضة على أشدها، والنعيم بفضل الله وثرواته النفطية، والعالم كله يعتبر الخليج كعبة يحج إليها للعمل وللتجارة والاستثمار، والثقافة الخليجية متألقة، والكثير يعملون فى الخليج من أمريكا وآسيا وأمريكا اللاتينية والعرب والأفارقة، تجد الخليج تحول إلى قبلة للاقتصاد والسياسة والاستراتيجية. فقلت له هذا من فضل الله على الخليج خاصة، والعرب عامة، واستذكرت قوله تعالى لسيدنا إبراهيم وحواره معه "رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " (سورة ابراهيم الآية 37).

وأخذنا الحديث المصرى الخليجى لآفاق رحبة عن السياسة والاستراتيجية والمستقبل. فقلت لصديقى إنه بحكم دراستى للعلوم السياسية والعلاقات الدولية وتاريخ الحضارات وتطور الفكر السياسى، فإننى خلصت إلى خمس حقائق أو عبر أسوة بكتاب العلامة ابن خلدون "فى ديوان المبتدأ والخبر... إلخ" وهذه الدروس تتمثل فى الآتى:

الأول: إن الزمن يدور ويتحول ولقد أكد ذلك القرآن الكريم بقوله: "وتلك الأيام نداولها بين الناس".

الثانى: إن الله خلق الإنسان فى عمل دائب ونضال مستمر "لقد خلقنا الإنسان فى كبد" (سورة البلد الآية 4).

الثالث: إن أهداف الخلق البشرى تتمثل فى ثلاثة وفقاً للمنظور الإسلامى وهى الأول عبادة الله بالمعنى الشامل"، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، والثانى وإعمار الكون وتحقيق تقدمه "إنى جاعل فى الأرض خليفة" (سورة البقرة، الآية 30)، والثالث "التعاون والتعارف "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" ( سورة الحجرات، الآية 13).

وهذه الحكمة الإلهية أحيانا ينساها الإنسان ولذلك ذكره الله بها فى محكم كتابه فى قصص القرآن التى لنا فيها عبرة من الطغيان، كما فى قصة قارون "فخسفنا به وبداره الأرض" أو فى حوار صديقين فى سورة الكهف "فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية" أو فى مبدأ التحذير الأبدى لحكمة استرشادية "كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى" (سورة العلق، الآية 6/7).

الرابع: إن العرب أمة واحدة، والعرب ليسوا جنساً أو عنصراً، فالإسلام ربط رباطاً محكماً بين أبناء العروبة من الجزيرة العربية، وبين أبناء العروبة الذين اعتنقوا الإسلام وتحولوا للعربية لغاً وثقافة وتراثاً، وأصبح مبدأ التآخى هو المبدأ الحاكم فى علاقة العرب المسلمين بعضهم بعضاً ومن هنا كان أول ممارسات الحكم فى الإسلام هو المؤاخاة "بين الأنصار والمهاجرين" فى إطار المبدأ الثانى "من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له"، كما ورد فى حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

الخامس: علاقة العرب والإسلام بمصر وهى علاقة وطيدة ومتشابكة قبل ظهور الإسلام ومع ظهور الإسلام وسجلها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الكثيرة فضلاً عن أحداث التاريخ ووقائعه ففى قصة بنى إسرائيل قال "اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم"، وفى أحاديث النبى الكريم، استوصوا بقبط مصر خيراً فإن لى فيهم نسباً وصهراً النسب مرجعه السيدة هاجر وهى مصرية يقال إنها أميرة، ويقال إنها مواطنة عادية أهداها ملك مصر آنذاك لسيدنا إبراهيم الذى تزوجها وأنجبت له إسماعيل الذى ينتسب إليه العرب الأصلاء ذو الحسب والنسب، كما يقال، أما المصاهرة فهى من خلال ماريا القبطية وهى إحدى سيدتين مصريتين أهداهما المقوقس حاكم مصر لرسول الله عندما أرسل له الرسول الكريم رسالة يدعوه فيها للإسلام، وهذا تعبير عن الأصالة المصرية والعقلانية والتسامح والتعاون، فإن المقوقس لم يمزق كتاب الرسول الكريم ولم يسىء إلى مبعوثه، بل أكرم مثواه، وقدم له هدايا وودعه ليعود إلى موطنه معززاً مكرماً.

وتكرر السلوك المصرى عبر التاريخ القديم والحديث فى تعاملها مع العرب من خلال رباط وثيق ربط بين الاثنين كشعبين متكاملين متداخلة أصولهما وأعراقهما، متلاحمة بالنسب والمصاهرة، وهو دليل دامغ على أن مصر من العرب والعرب من مصر، عبر قرون عديدة، لذلك حاربت مصر الطغاة من الهكسوس، والتتار، والصليبيين، كما حاربت صدام حسين ونظامه الطاغى، ووقفت مع أهل الخليج العربى دفاعاً عن عروبته واستقلاله ومصالحه ضد البريطانيين وضد المطامع الإيرانية وغيرها.

وأكدت دوما مبدأ عروبة البحرين واستقلالها وسيادتها، كما أكدت حق الإمارات العربية المتحدة فى الجزر الثلاث المحتلة ودائماً تنظر مصر للمستقبل، ولا تفكر كثيراً فى الماضى، لأن المستقبل يعبر عن الأمل، بينما الماضى يعبر عن الحسرة، والحياة خارج التاريخ.

واختتمت حديثى وحوارى مع صديقى من الخليج العربى قائلاً إن مصر تعيش الآن مرحلة اقتصادية صعبة، وهذا أمر متكرر نتيجة ثلاث عوامل أولها: الدورات الاقتصادية والسياسية فى تاريخ الأمم والشعوب، ثانيها: سوء الإدارة للازمات والتبذير فى الموارد، وثالثها: نسيان الإخوة والأصدقاء لها وهذا هو الدرس المهم، فالأخ لا يجب أن ينسى أخيه فى وقت الشدة، والصديق لا يجب أن يتغافل عن صديقه وقت الحاجة، وهذه هى مسئولية الأشقاء فى الخليج العربى فى هذه اللحظات، كما كانت مسئولية مصر فى ظروف تاريخية أخرى، الكل يتكامل ويتضامن ويتعاون ليساعد الآخر فى التغلب على أزماته وصعوباته ومن ثم ينطلق العرب والمصريون بجناحين إلى آفاق أرحب من التنمية والتقدم والازدهار.

واختتم حديثى بالقول أن موقف دولة قطر الشقيقة موقف كريم، وكذلك موقف المملكة العربية السعودية، ولكن المطلوب هو عمل جماعى خليجى مشترك أى المطلوب تفاعل حقيقى للقيادات الخليجية والمصرية، ولقد حرصت مصر ثورة 25 يناير على التأكيد أكثر من مرة بان أمن الخليج خط أحمر، وكررت تأييدها للإمارات فى قضية الجزر، وتأييدها للبحرين ضد أية تدخلات إيرانية، وهذه سياسة مصرية ثابتة ولن تتخلى عنها وباقى التفاعلات متروكة للدول الخليجية الشقيقة بحكمتها ورؤيتها الاستراتيجية فى عدم ترك مصر لكى يجتذبها آخرون يتربصون بها وبدول الخليج العربية بل بالعرب جميعاً لينقضوا عليهم، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.

إننى أدرك أن بعض دول الخليج العربية مترددة انتظاراً لاستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية فى مصر وانتظاراً لقرار صندوق النقد الدولى حول القرض الذى تطلبه مصر، والبعض متردد وربما غير متحمس لأسباب أخرى، ولكن نقول بصدق وأمانة إن مصر لن تخون عهدها مع إخوتها العرب، وعلى هؤلاء الإخوة، أن يفكروا فى الرؤية المستقبلية والرباط الاستراتيجى الذى يربطهم بمصر ويربط مصر بهم، وأن يقدموا لمصر وشعبها ما تحتاج إليه اليوم فسوف يرد لهم أضعافا غداً بغض النظر عن من يحكم مصر فقرار مصر هو قرار شعب مصر وليس قرار الحاكم الذى يستجيب دائماً لمقتضيات الدور المصرى وإرادة شعب مصر.

• باحث فى الدراسات الاستراتيجية الدولية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة